الدكتور سيد أحمد ولد الأمير في مقابلة شاملة مع موقع “كرو الآن”

altaltفي إطالة و مقابلة عبر موقع “كرو الآن” نستضيف الكاتب و الباحث و المؤرخ الدكتور سيدي أحمد ولد الأمير

ورقة عن الضيف : ———- وضيفنا هو الدكتور سيدي احمد ولد الأمير حاصل على دكتوراه في الأدب من جامعة الحسن الثاني بالمحمدية. . منسق وحدة الدراسات الأفريقية بمركز الجزيرة للدراسات منذ 2011 وصحفي بالجزيرة نت سابقا.. مهتم بالتاريخ الموريتاني.

حقق ونشر بعض النصوص في هذا المجال. .. له مقاﻻت عن التاريخ الموريتاني وتاريخ المجال الحساني، يحاول ان يقدم فيها الجانب الآخر من التاريخ، أو ما لم يركز عليه المؤرخون المحليون فضلا عن اﻻعتماد على الوثائق التي لم تنشر قط. وله اهتمام بالمجال اﻻستراتيجي وقد كتب مقاﻻت في مركز الجزيرة للدراسات عن مواضيع استراتيجية إقليمية.

موسوعة في حفظ الأدب الشنقيطي بشقيه العربي والحساني. وقد حقق كتاب العلامة المختار ول حامدن في تاريخ مورتانيا وأضاف له الكثير من المفاهيم العصرية وأوضح الكثير من المعلومات التي تركها المؤلف لفهم طلاب العلم.

كرو الآن : نرحب بكم معنا في موقع كرو الآن شاكرين لكم الفرصة التي أتحتموها لنا رغم المشاغل

و السؤال الأول :

في الوقت الذي يطالب فيه كثيرون بإعادة كتابة التاريخ – في بلدانهم – مازالت موريتانيا تحاول التأسيس لكتابة تاريخها أين وصلت فكرة كتابة التاريخ الموريتاني إذا استثنينا ما  تركه المختار ولد حامد أو كتابات أخرى اختلط فيها التاريخ بالجغرافيا و بالفقه و مظاهر أخرى ؟؟؟ وكيف تقيم تقبل الموريتاني نفسه لفكرة التاريخ المزعج ؟؟

الدكتور سيدي أحمد ولد الأمير :

أولا أشكر موقع كرو الآن المتميز والذي يشق طريقه بنجاح بين المواقع الموريتانية وأرجو له التوفيق.

فكرة كتابة التاريخ تنمو وتتطور رغم كثرة المعوقات سواء تعلق الأمر بالمصادر أو الاختلالات المنهجية. هناك محاولات مفيدة منها ما قام به قسم التاريخ بجامعة نواكشوط

اساتذة وطلابا، وقبل ذلك بالمدرسة العليا للتعليم. وهي محاولات تعرفنا من خلالها على العديد من النصوص التاريخية الموريتانية تحقيقا ودراسة. وهنالك مبادرات شخصية

لكتابة التاريخ الموريتاني وهي مبادرات بعضها أكاديمي ومتميز. وهي مفيدة ايضا… وفضلا عن هذا وذاك هنالك كتابات للتاريخ الموريتاني كتبها بعض الأجانب من أوروبيين

وأمريكيين اساسا والقليل النادر كان بأقلام عربية وهو أمرغريب أن تاريخنا يهتم به الأعاجم الغربيون ويعزف عنه إخوتنا العرب.

أما تقبل الموريتاني لفكرة التاريخ فما زالت محاطة بالرؤية القبلية والجهوية في غالب الأحيان. وهو أمر يحول في بعض الأحيان دون إعطاء الكتابة التاريخية ما تستحق من تجرد

وموضوعية، حيث يكتب الباحث في بعض الأحيان إن لم أقل في غالب الأحيان ما يريد كتابته في التاريخ تحت إكراه العوامل الاجتماعية والثقافية الضيقة.

كرو الآن  : انتشرت في الفترة الأخيرة كتابات تاريخية تعتمد على مصادر إخبارية غربية و فرنسية ( مقالات و أخبار صحفية عن أزمات و نشاطات وفق رؤية إعلامية غربية )

و أثارت عدة اسئلة مهمة في النص التاريخي ، ما مدى حيادية تلك الكتابات و مصداقيتها و ما تضفيه للتاريخ الموريتاني .. ؟

الدكتور سيدي أحمد :

الاعتماد على النصوص والوثائق الغربية فرنسية كانت أو غربية بشكل عام ليس فيه من إشكال.. ففي النهاية الفرنسيون استعمرونا أزيد من خمسين سنة وكانوا قبل ذلك على

تواصل مع بعض الإمارات وخصوصا إمارة البراكنة والترارزة وإمارة تكانت حيث كانوا على تواصل تجاري وأحيانا ديبلوماسي أو حربي مع هذه الإمارات الثلاث، وبشكل أقل

كانت علاقة الفرنسيين مع إمارة آدرار وإمارة أولاد امبارك ومن بعدها إمارة مشظوف. وفضلا عن هذه العلاقات التي انتسجت بين إماراتنا مع الفرنسيين ونتجت عنها كتابات

فرنسية كثيرة تناولت بلادنا تاريخا وثقافة ومجتمعا فإن الرحالة الفرنسيين في القرون الماضية جابوا بلادنا شرقا وغربا وشمالا وجنوبا وكتبوا عنا الكثير. بطبيعة الحال هذه

الكتابات كتبها غيرنا عنا وكتبها لأهدافه الخاصة وأراد من ورائها وهذا هو الخطير إخضاع هذا الشعب العربي الإفريقي المسلم المسالم. ولا نتوقع منها أن تكون تاريخا موريتانيا

علميا وموضوعيا وكما ينبغي أن يكون.. ولا نتوقع منها أن تكيل المدح للموريتانيين ولا أن تنصفهم هذا غير وارد اصلا.

لكن هذا لا يعني أنها لا تهمنا وأنها لا تفيد البحث التاريخي فهي وثائق تحدثت عنا وتناولت جوانب من تاريخنا السياسي والاجتماعي والثقافي لذلك علينا غربلتها ووضعها في سياقها والاستفادة منها ما أمكننا ذلك.

كرو الآن : يصر الموريتانييون -كغيرهم من الشعوب -على أصالة المقاومة الموريتانية و وطنيتها كباحث في التاريخ و مطلع على الوثائق محليا و دوليا ما تقييمك لمبدأ الوطنية في المقاومة الموريتانية مقابل المصالح الأميرية و التنافس بينهم في السيطرة (الإمارات ) في وجه الفرنسيين ؟؟

الدكتور سيدي أحمد ولد الأمير :

أولا المقاومة الموريتانية أصيلة فعلا ووجدت فعلا ولم تكن هذه البلاد لقمة سائغة في أفواه الغزاة الفرنسيين ولم تكن طيِّعة ورخوة هذا لا نقاش فيه… وليس قوله ناتجا عن

إعجاب بالذات الوطنية ولا تضخيما للتاريخ ولا تزييفا له.. وأول شاهد على أن المقاومة كانت قائمة الكتابات الفرنسية نفسها: فكلمة Résistanceتتواتر في الوثائق والنصوص

الفرنسية التي بين أيدينا، ويسمونها أحيانا Dissidanceأي الانشقاق ويعبرون عن المقاومين بـ dissidentsأي المنشقين.

ونحن نعرف أن أكثرمن شخصية موريتانية استشهدت في معارك المقاومة، وذكركم للأمراء يجعلنا نذكر الأمير المجاهد بكار ولد اسويد أحمد شهيد راس الفيل بأفلة والأمير المجاهد  سيدي احمد ولد أحمد ولد عيدة شهيد وديان الخروب بمقطير بآدرار.

وينبغي أن نشير إلى أن مقاومة الموريتانيين للفرنسيين سبقت دخول الاستعمار المباشر فأمير الترارزة محمد الحبيب مثلا كان شخصية عظيمة على المستوى الوطني، وقد وقف بجد واجتهاد في وجه الأطماع الفرنسية في المنطقة وجابه الجنرال فيدريب وجيوشه الضاربة بسينلوي بوسائل قد لا تكون على مستوى الميزان العسكري مساوية للوسائل  الفرنسية المتطورة لكن عزيمة محمد الحبيب الفولاذية وإيمانه القوي بالله وتحالفاته الداخلية والإقليمية أوقفت المشروع الفرنسي فترة طويلة. لكن صراع المشروعين التروزي  والفرنسي في المنطقة انتهى به الأمر إلى احتلال الفرنسيين للضفة اليسرى للنهر بعد أن كانت جزءا من الترارزة.أرجو أن يكون في هذا جواب لكم على هذا السؤال الإشكالي.

كرو الآن : برأيكم لماذا لم تتوحد إذن المقاومة الموريتانية كما هي النماذج في بلدان المقاومة و لم ظلت تحمل الطابع الجهوي و القبلي و الديني( إن صح التعبير الأخير أو دعني أقول الطرقي )

الدكتور سيدي أحمد ولد الأمير

طبعا المقاومة توحدت في البداية بمعنى أن جميع الناهضين ضد الفرنسيين كانوا يديرون عملياتها من شمال البلاد منطلقة من جبال آدرار الوعرة خصوصا وأن الفرنسيين احتلوا الترارزة والبراكنة والعصابة وتكانت وبدؤوا يعدون العدة لآدرار وللحوض… لذلك كان آدرار ملجأ المقاومة الرئيسي ومثابتها. وكان دور الشيخ ماء العينين محوريا بوصفه من أبرز  الشيوخ والعلماء المناهضين لهذا المشروع. وقد ذهب الشيخ ماء العينين بوفود كبيرة من الموريتانيين نحو المغرب طلبا للنصرة من ملك المغرب السلطان عبد العزيز بن الحسن  الأول. لكن بسط الفرنسيين لنفوذهم على المغرب ودخول المغرب تحت الوصاية الفرنسية حال دون وجود المقاومة الوطنية لدعم خارجي هي بحاجة إليه.. ولم يبق لها إلا الاعتماد على المقدرات المحلية وهي ضئيلة ومحدودة… لذلك كان لا بد أن يتحول الميزان العسكري لصالح الفرنسيين. ويضاف إلى هذا أن العديد من الشخصيات العلمية والفقهية والصوفية النافذة كان ترى أن الفوضى القبلية التي تعيشها موريتانيا والتناحر بين المجموعات وما ينتج عن ذلك من تناحر واحتراب لو جعلت في كفة وجعل الاستعمار الأجنبي الذي يعد بأن يبسط الأمن ويشيع العافية ولا يتدخل في حياة الناس الدينية سيكون أخف الضررين. لذلك كانت كلمة هؤلاء الشيوخ مسموعة واجتهادهم مقبولا عند الكثير من الموريتانيين.فكانت هذه الرؤية وهذا الاجتهاد سببا في القبول بالإدارة الفرنسية التي يرجى منها وضع حد للفوضى والحروب القبلية.

كرو الآن : كمؤرخ و باحث في التاريخ الموريتاني ماهو مدى التأثير المغربي في المقاومة الموريتانية و ماهي العلاقة بين ذلك الدعم و صورة جيش التحرير التي أعقبت بدايات الاستقلال ؟؟ وهل عبر الدعم الأول كما الأخير عن مطامع مغربية في الأقليم ؟؟؟

الدكتور سيدي أحمد ولد الأمير

المغرب ساعد المقاومة الموريتانية في عهد السلطان عبد العزيز ويعود ذلك إلى جهود الشيخ الجليل ماء العينين الذي كان السلطان المغربي وقواده يكنون له الكثير من الاحترام والتقدير.. لكن الفرنسيين كانوا متاابعين للوضع ويعرفون جيدا علاقة الشيخ ماء العينين بالحسن الأول وبأبنائه من بعده ودرجة تقديرهم له لذلك عملوا على أن يصبح المغرب بعد الوصاية الفرنسية منقطعا عن إعانة المقاومة الموريتانية وقد نحج الفرنسيون في ذلك. فمنذ أن اصبح المغرب تحت هذه الوصاية انقطع الدعم المغربي للموريتانيين. ولا أعتقد أنه في هذه الفترة كانت للمغرب أطماع في موريتانيا، وفي اعتقادي أن مطالبة المغرب بأن تكون بلادنا جزءا منه لم تسبق الزعيم المغربي علال الفاسي الذي كانت له مطامح واضحة في ضم موريتانيا ، وكان يقول إن حدود المغرب من طنجة إلى “اندر” ايسينلوي، وقد أثر خطابه في الملك الراحل محمد الخامس الذي تبنى هذا التصور.وفي اعتقادي أن السبب في تصورات علال الفاسي ورغبته الجامحة في ضم موريتانيا إلى المغرب يعود إلى كتابات الفرنسيين أنفسهم. فعلال الفاسي لما أبعدته السلطات الفرنسية بالمغرب إلى الغابون منفياً من سنة 1937م إلى سنة 1941م ثم نُقل إلى الكونغو من سنة 1941م إلى سنة 1946م اطلع هناك كما يقول في بعض كتاباته على ما كتبه المؤرخون الفرنسيون والإداريون الفرنسيون عن موريتانيا، حيث كانوا يربطون بين بلادنا وامتداداتها الحضارية في شمال إفريقيا، بل وقد أخذوا اسم موريتانيا من “موريتانيا الطنجية” و”موريتانيا القيصرية” اللتين كانتا ولايتين رومانيتين في شمال المغرب وشمال الجزائر. فقد وجد علال الفاسي في الكتابات الفرنسية هذه المعلومات التي لا تعدو أن تكون حديثا عن روابط تاريخية وحضارية تربط بلادنا بشمال أفريقيا وجعل منها اساسا لتصوراته عن حدود المغرب. وإلا فإن موريتانيا ظلت على امتداد تاريخها بمنأى عن الدولة المغربية في مختلف عصورها، ولا نعرف في تاريخ هذه البلاد أن أي خطبة للجمعة تضمن دعاء لأي ملك كان لا في المغرب ولا في غيره. ففي شنقيط وفي ودان وفي ولاتة وغيرها من المدن الموريتانية كان تقام صلاة الجمعة ولم يذكر التاريخ أي إمام موريتاني في هذه المدن دعا لأي ملك أو سلطان لا مغربي ولا عثماني. ثم إن العملة المغربية التي كانت متداولة والتي سكها سلاطين المغرب لم تتداول قط في هذه البلاد مما يعني أن هنالك استقلالية تامة لموريتانيا عن غيرها.

كرو الآن : من خلال جولاتكم و علاقتكم مع دور ثقافية و مكتبية في الغرب ( فرنسا ) ما حجم الوثائق التاريخية الموريتانية و ماهو حجم المكتبة الموريتانية التي قد تكون نهبت ابان الحملة الاستعمارية وهل هناك جهود لمتابعتها إن وجدت ؟؟ ..

ج

هناك الكثير من الوثائق الموريتانية بفرنسا وقد تعرضالكثير من تراثنا المكتوب والسلب والنهب والترحيل. ومن أول ما قام به الفرنسيون مهمة دو جيرونكور (De

Gironcourt) الشهيرة عند المهتمين بتاريخ المنطقة. حل هذا الباحث بالشرق الموريتاني وبأزواد سنتي 1911 و1912، فلم يترك مكتبة إلا زارها ولا محظرة إلى ومر بها،

ولا خطاطا مشهورا إلا والتقى به، فملأ أوعيته من الكتب والمخطوطات وتوجه بها إلى باريس. وكانت حصيلة صيده 221 مخطوط من أثمن وأهم المراجع التاريخ الاجتماعي والثقافي والمراسلات والوثائق المتعلقة بمنطقة أزواد والساحل. وقبل جيرونكور بعقدين من الزمن جاء الرائد الفرنسي لويس أرشينار (Louis Archinard) الذي هزمت حملته العسكرية في 6 أبريل 1890 جيوش القائد الشجاع أحمدُو بن الحاج عمر الفوتي التجاني الذي كان خليفة أبيه في سيغو وسلطانا في تلك المناطق من الساحل الإفريقي.نهب الرائد أرشينار مكتبة الحاج عمر الفوتي كلها وفيها ما يناهز السبعة آلاف نص ما بين مخطوط ووثيقة، ونقلها إلى باريس فعرفت هنالك باسم “خزنة ارشينار” (le FondsArchinar) وكأنها له. وتضم مكتبة الحاج عمر الكثيرَ من التاريخ الموريتاني مثل النسخة الوحيدة من تاريخ منح الرب الغفور لابن انبوجة لمؤلفه سيدي عبد الله بن سيدي محمد بن انبوجه العلوي وهو أحد أعيان وعلماء ومؤلفي مدينة تيشيت. كما توجد بمكتبة الحاج عمر نسخة فريدة من كتاب الطرائف والتلائد للشيخ سيدي محمد الخليفة الكنتي. وتوجد كذلك بهذه المكتبة مراسلات الشيخ سيدي أحمد البكاي الكنتي مع الحاج عمر الفوتي ومع أحمد بن أحمد لبو أمير ماسنة، وهي وثائق مفيدة في فهم تطورات تاريخ أزواد في منتصف القرن التاسع عشر. كما توجد بها خطوط بعض الأعلام الموريتانيين النادرة والجميلة كسيدي محمد بن انبوجه وأحمد بن العباس العلويين. وامحمد بن أحمد يورة محمد اليدالي وغيرهمومنذ 28 نوفمير 1892 إلى الآن أصبحت مكتبة الحاج عمر الوافرة جناحا من المكتبة الوطنية بباريس. ومؤخرا لم تعد تسمى “خزنة أرشينار” بل أطلق عليها اسم المكتبة العمرية نسبة لصاحبها الحاج عمر الفوتي.وهذا غيض من فيض تحدثت عنه في مقالة لي سابقة موجودة على الشبكة.

كرو الآن : لو قدرك لكم كباحث و مؤرخ ان سنحت الفرصة فما هي الجوانب التاريخية بنظركم التي تستحق أن تحتل الأولوية في البحث التاريخي .. و ما زالت غائبة عن اهتمام الدارسين للتاريخ الموريتاني الحديث؟؟؟

الدكتور سيدي أحمد ولد الأمير

أعتقد أن هنالك فراغا كبيرا في معرفتنا بتاريخ بلادنا وخصوصا تلك الفترة الفاصلة بين انتهاء دولة المرابطين في نهايات القرن الحادي عشر الميلادي وقدوم طلائع بني حسان مع نهايات القرن الرابع عشر الميلادي… فهناك ثلاثة قرون من تاريخنا لا نعرف عنها الكثير.. لا وثائق ولا آثار.. صمت تاريخي رهيب… كيف اصبح التنظيم الاجتماعي والسياسي بعد المرابطين وقبل مجيء بني حسان؟ ما ذا عن مجموعات قبلية كان لها أدوار في تلك الفترة مثل: أبدوكل وانيرزيك وباران وانكادس وغيرهما… وحتى طلائع قبائل بني حسان الأولى مثل أولاد رزك والبرابيش وأولاد يونس وغيرهم.. ماذا عن هؤلاء وعن مساراتهم وتطورات وجودهم في موريتانيا.. كيف تعايش العنصر العربي والعنصر الإفريقي والعنصر البربري في هذه البلاد؟ كيف تمت الهجرات المتعددة القادمة من خارج البلاد وتلك التي وقعت داخل البلاد وبين مناطقها المختلفة؟ أعتقد أن تلك الفترة التي تلت انتهاء دولة المرابطون ببلادنا وسبقت مجيء الهجرات الحسانية عموما والمغفرية بشكل خاص بحاجة إلى حفر وتنقيب واستقصاء.

كرو الآن : في ظل الاعتراف بصعوبة الدراسة المحايدة في الكثير من جوانب التاريخ الموريتاني شديدة الحساسية فما مدى تأثير ذلك على تعزيز مفهوم الدولة المدنية على اعتبار

ان المستقبل تأسيس على حاضر قائم و ماض يشكل التاريخ فيه أولوية .؟؟

الدكتور سيدي أحمد ولد الأمير

لا أعرف إذا كنت قد فهمت سؤالكم بالشكل الذي تقصدون… ومع ذلك أتفق معكم بشكل مطلق على أن المستقبل يتأسس على الحاضر وأن الحاضر ما هو إلا امتداد

للماضي..

بدون شك القبيلة في موريتانيا وفي غيرها من المجتمعات البدوية الصحراوي مترسخة في النسيج الاجتماعي وفي السياسة والثقافة وهي كل شيء تقريبا.

علاقة القبيلة بالدولة والتناقض بينهما موضوع معروف ومتناول في التاريخ وفي علم الاجتماع ولا أريد هنا الدخول في تفاصيل تلك الدراسات والنظريات الموجودة بكثرة في الكتب وعلى الشبكة.  والمشكل بالنسبة لدارس التاريخ ليس في الاهتمام بدراسة الظاهرة القبيلة فدراستها لا تتناقض مع ضرورة التخلص من سلبياتها. ولا شك أن من يريد –سواء كان سياسيا أو مصلحا أو قانونيا- أن يتخلص من القبيلة ومن الانتماء القبلي في المجتمعات الصحراوية فسيلاقي صعوبات جمة وتحديات كبيرة. ولعل دراسة خصائصه القبيلة وأبعادها السياسية والاجتماعية وكيف توسعت وانتقلت من التنظيم الاجتماعي الى التنظيم السياسي قد تساعد في فهم نفوذها وكيف تشكل خطرا على الدولة الحديثة.

كروالآن : بعبارة أخرى الا يشكل التاريخ عائقا أمام الدولة المدنية المتصالحة ؟؟؟

الدكتور سيدي أحمد ولد لمير:

لا إطلاقا..

كرو الآن :الدرس التاريخي الموريتاني في المؤسسات التربوية و حتى في الجامعة يكاد يختفي أمام تاريخ الآخر من حولنا و بعيدا منا ، ماهي أسباب ذلك بنظرك ؟ و هل للأمر علاقة بصعوبة تقبل التاريخ المحايد ؟؟؟

الدكتور سيدي أحمد ولد الأمير

غياب أو ندرة التاريخ الموريتاني في المؤسسات التربوية وفي الجامعة نسبي… لم أمارس تدريس التاريخ في الجامعة ولا التأليف التاريخي لصالح المؤسسات التربوية حتى أكون قادرا على إجابتكم لكن قد يكون ما ذهبتم إليه صحيحا ربما… وربما كان هذا أحد الأسباب يضاف إليه قلة المراجع والدراسات والكتب المدرسية المتعلقة بتاريخنا وقلة الكادرالبشري المتخصص بشكل جيد ومتمرس.

لكن من خلال تجربتي الخاصة مع الاهتمام بكتابة التاريخ الموريتاني وهي تجربة يمكن أن نسميها “تجربة إلكترونية”.. فهي مشجعة جدا.. حيث نشرت حتى الآن ما يزيد على خمسة وعشرين مقالا وحرصت عمدا على أن أسجل بريدي الإلكتروني بعد نهاية كل مقال. وقد حصلت من خلال القراء على الكثير الكثير من المراسلات التي تعطي انطباعا باهتمام كبير بالتاريخ خصوصا عند الشباب الذين هم بطبيعة الحال أكثر استعمالا وتصفحا للشبكة. وهؤلاء الشباب من مختلف التوجهات ومن مختلف الفصائل الاجتماعية ومن مختلف المشارب.. وهذا مؤشر على أن هناك تقبلا للتاريخ الموريتاني بل وتطلعا إليه وبحثا عنه.

كرو الآن : الدكتور : هناك الكثير من المفقودين والمغربين المنسيين (الشيخ حماه الله ) و حتى ممن ماتوا في حروب الدولة الفرنسية في فترة الاستعمار هل لديكم معلومات عن أعداد هؤلاء أومصيرهم أوأماكن قبورهم ، و لم لا يتم الاهتمام بهذا الملف ؟

الدكتور سيدي أحمد ولد الأمير :

أعتقد أن هذا الملف مهم جدا: فهؤلاء الموريتانيون الذين رحلوا قسرا وقهرا إما من موريتانيا إلى بلدان أجنبية أو من مناطقهم الأصلية إلى مناطق موريتانية أخرى وهذا بطبيعة الحال أخف من سابقه، موضوع يستحق الدراسة. وهؤلاء الموريتانيون الذين تعرضوا للنفي في زمن الاستعمار كثيرون، بل إنهم موجودون قبل الاستعمار ففي سنة 1843 اختطف الفرنسيون أمير البراكنة المختار سيدي وتم نفيه إلى الغابون حيث توفي هناك رحمه الله، وسبب نفيه أن الفرنسيين لا يرغبون فيه وخصوصا حاكم سينلوي الفرنسي “بويت ويلوميز” (Bouët-Willaumez).تم نفي بناهي رحمه الله وهو من زعماء أهل سيدي محمود إلى إفريقيا حيث مات هناك.. وتم نفي زين العابدين بن محمد الأمين بن زيني القلقمي لما عاد من تركيا سنة 1934 إلى قرية مهجورة قرب باماكو.. وتم نفي سيديا ولد قطرب الديماني إلى تنبكتو حيث توفي هناك وكان رحمه الله شاعرا بالعامية الحسانية وهو الذي يقول:

أحرَمْنِي يالرَّبْ امنْ النارْ ** عاگبْ ذَ من صَوْعْ الكفارْ

مَرّگْنِ كُولُنَلْ ادْيَارْ ** ما نتخمَّمْ عنهَ نرْحلْ

گَسْتْ أطارْ ءُ جَانِي فأطارْ ** وإتْركْتْ أطارْ إلْ كولنلْ

ءُ گِسْتْ التَّل ءُ لاَنِي باغيهْ ** ما نبغِي كنتْ إنْگِيسْ التَّلْ

يغيرْ إبْلَدْ كاملْ ما فيهْ ** كُولنَلْ ألاَّ متْعدَّلْ

وعلى رأس الشخصيات المنفية من بلادها والذين يشكلون هذه الظاهرة ينبغي أن نذكر دون شك الشيخ حماه الله الذي نفي أولا في المذرذرة بولاية الترارزة أربع سنين (من

1926 إلى 1930 ثم قضى ست سنوات في ساحل الحاج لينفي بعد ذلك نجو الجزائر ففرنسا… لا لسبب إلا لأنه يرفض الوجود الفرنسي على هذه الأرض الطاهرة.وأعتقد أن هذا الموضوع يستحق الاستقصاء والبحث.

في نهاية هذه المقابلة نتقدم بالشكر الجزيل للاستاذ الدكتور و الباحث سيدي أحمد ولد أمير على اتاحته لنا هذه الفرصة رغم المشاغل ـ آملين أن تكون هذه المقابلة قد أجابت على أسئلة مهمة في البحث التاريخي الموريتاني، ونستودعكم قراؤنا الكرام على أمل اللقاء مع ضيف جديد و مقابلة أخرى تهمكم.

أجرى المقابله الأستاذ عبد الله ولد أبوه.

الدكتور سيد أحمد ولد الأمير في مقابلة شاملة مع موقع “كرو الآن”.