نهاية معروف ولد هيبة

المغفور له بإذن الله معروف ولد الهيبة

منذو المساء وأنا أرابط أمام المستشفى العسكري ضمن إخوتي من أقارب وزملاء المغفور له بإذن الله معروف ولد الهيبة.
معروف أضرب عن الطعام قبل أكثر من شهر احتجاجا على عدم علاجه من أمراض ألمت بــه نتيجة سوء ظروف سجن صلاح الدين ومن تلك الأمراض التهاب البواسير الذي واجه منه آلاما لا تـطاق وقد امتنع العسكر عن تقديم أي علاج لـه.
– معروف كان في قاعدة صلاح الدين ضمن 14 من سجناء التيار السلفي عاد منهم أربعة إلى انواكشوط قبل فترة بعد إضراب طويل عن الطعام ولا زال 9 منهم يضربون عن الطعام في “اكوانتامو موريتان” بعد وفاة زميلهم معروف
– والد معروف لا يزال في الطريق قادما من سيلبابي بعد وهو ما أخر تسلم جثمانه من المستشفى
– والدة معروف تصر على تشريح جثته لمعرفة سبب الوفاة
– تفرقنا الآن بعد أن تقرر تسلمه غدا صباحا ان شاء الله وتغسيله والصلاة عليه في مسجد بداه في لكصر
-معروف له بنت وولد
رحم الله معروف ولد الهيبة رحمة واسعة وأدخله فصيح جناته وغفر ذنبه وألهم ذويه الصبر والسلوان وإنا لله وإنا إليه راجعون.
(ابراهيم ولد البار)

بالأمس توفي صبراً في سجن الجنرال عزيز أبو قتادة الموريتاني: معروف ولد هيبة. كان أبو قتادة مثالاً آخر للأمثلة الكثيرة التي لعب بها الجنرال عزيز. فقد تحصّلت لدى السلطة الموريتانية المُطاح بها في انقلاب 2008 قناعة أن عناصر أمنية سهّلت تسرب الإرهاب لزعزعة النظام. وفي هذا الإطار تمّ السماح لمعروف ولد الهيبة وجماعته بتهديد العاصمة في 2007. وقد أمسكته استخبارات دركية-شُرطية بعد أيام حامية في نواكشوط. ورغم أن الطغمة العسكرية واصلت إطلاق سراح إرهابيين إلا أن معروف ولد هيبة، الذي ربما كان يحمل سراً بقيّ برسم السجن.

ما نعرفه هو أن السيد هيبة كان فتىً ذا خيلاء ثم انعطف انعطافة وحيد القرن و”حسن إسلامه” والتحق بتدريب عسكري في شمال مالي مدة أسابيع. هل زرعته المخابرات؟ أم أنه كان مجرد طفرة إيمانية جهادية اعتيادية. (أنا أرجح الأخيرة، فأنا لا أميل إلى التحليل المخابراتي وأعتقد باجتماعية الظواهر الجهادية). ولكن الجنرال عزيز، الطامع في السلطة من مكتبه الاستشاري-الحرسي في القصر الرمادي، استفاد من عودة الجهاديين إلى نواكشوط.

وسُرعان ما أعلن عزيز عن خفوت الإرهاب لما توّطد حكمه. ومن الواضح أنه لم يكن يتحكم في عملية تورين أو في عصابات عمر الصحراوي. وفما عدا هذا، استسلم حلفاؤه السلفيون. سكوت مريب. ولاحقاً في 2012-2013 سيظفر جناح من هؤلاء السلفيين بدويلة شمال مالي الوجيزة التي صنعها كلٌ من الجنرال عزيز ووالده، نيكولاي ساركوزي.

وفي 2010 شرع الجنرال عزيز في عملية تأهيل للأصوليين القتاليين فأرسل لهم مجموعة من حلفائه العلماء، كان أبرزهم، على الأقل لدواعي إعلامية، الشيخ محمد الحسن ولد الددو. وشرع الددو في محاورة غلمان القتالية، الذين بطبيعة تكوينهم الفتواتي والتسطيحي للشريعة الإسلامية لم يكونوا ليصمدوا أمامه. رغم هذا ظلّ هنالك تشكيك في نجاعة بل وجدية الحوار، فقد اعتبر السلفي الشهير، أعمر ولد محمد صالح المعروف بالبتار، وهو أحد أكثر السلفيين لموريتانيين المسجونين ضراوة، أن الحوار لم يكن غير “تحقيق استخباراتي”. واعتبر أن بعض العلماء أقرّ أمامهم بكفر الدولة. ولاحقاً نسبت مواقع إعلامية للخديم ولد السمان قوله أن الددو نفسه قد أفتى لهم في مرحلة سابقة بقتال الدولة ثم عاد وأفتى لهم بمحاربتها. هل كان حواراً صورياً، وليس أكاديمياً، استخدمت فيها الأحلاف، وليس الآراء، لاستدرار تنازلات أو تكتيكات؟ لا نعرف بعد.

تجمع أهالي السجناء يؤكد وفاة المعروف ولد الهيبة

تجمع أهالي السجناء يؤكد وفاة المعروف ولد الهيبة
أفادت مصادر من تجمع أهالي السجناء السلفيين لصحراء ميديا أن السجين السلفي معروف ولد الهيبة توفي ونقل على متن طائر خاصة إلى العاصمة الموريتانية نواكشوط.
وقال أهالي السجناء السلفيين في اتصال مع صحراء ميديا إن ولد الهيبة كان مضرباً عن الطعام منذ فترة ومر بظروف صعبة تسببت في وفاته، على حد تعبيره.
وكان ولد الهيبة قد اعتقل في العاشر من أبريل سنة 2008، وهو يرتدي زيا نسائيا وسط العاصمة نواكشوط، بعد أسابيع من عملية هروب مثير نفذها من مباني قصر العدل الموريتاني.
وحكم عليه بالإعدام بعد إدانته بالمشاركة في عملية قتل السياح الفرنسيين والمشاركة في قيادة مواجهات (سانتر امتير) بنواكشوط، ويعد أحد المصنفين على قائمة الإرهاب.
التحق ولد الهيبة بمعسكرات تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي في فبراير من عام 2006، ويعرف نفسه بأنه “العبد الفقير إلى ربه أبو قتادة الشنقيطي”، وسبق أن أعلن في أكثر من مرة “تجديد البيعة للشيخ أسامة بن لادن”، وقال في مقابلة أجرتها معه صحراء ميديا قبل عدة سنوات أنه “خرج لإعلاء كلمة الله والجهاد في سبيله”، مشيراً إلى أن “الصورة التي يقدمها الأمن عني وعن أخواتي في التيار السلفي هي صورة بشعة يراد منها تبرير محاربتنا للناس”.
سبق لولد الهيبة أن عمل مهندسا ميكانيكيا في مصانع الأرز بروصو، وأصبح متخصصا في تشغيلها وصيانتها، وأمضى 6 سنوات في التجارة الحرة، حيث امتلك مخزنين في مدينة العيون لبيع الملابس والأحذية، كما عمل كضابط صف في مشاة البحرية 9 أشهر، قبل أن يحال إلى مدينة اكجوجت للتدرب على الحرب البرية في الجيش الموريتاني.

غير أن ما يهمنا هنا هو أنه في ذلك اللقاء استسلم معروف ولد هيبة وأعلن عن اقتناعه بآراء الشيخ الددو والعلماء، بل إنه أعلن بيعته للجنرال عزيز ووصفه بـ”إمام الدولة الإسلامية”. وكان من الواضح أن الجنرال عزيز يمتلك فصيلاً جهادياً خاصاً به. وكان يمكن لولد الهيبة، لولا البانوبتيكون الغربي، أن يكون أميراً لصالح الدولة الموريتانية. ولكن لسوء حظه فهو معروفٌ فعلاً لا اسماً فقط. وكان هذا كافياً ليُحرم من الإعفاءات التي أطلقها الجنرال عزيز بحق السلفيين الأقل شهرة. لأن العفو عن معروف سيكون مكشووفاً. ولا نعرف أين هم هؤلاء السلفيين الآخرون الذين أعفيّ عنهم وما هي الأدوار الاستخباراتية أو السياسية التي يلعبونها. وكل ما نعرفه هو أنه بعد سنوات، وتحديداً في 2013، سيظهر حزب سلفي برائحة “وسطية” (يا روح أمك!).

وطبعاً رفض الجناح السلفي الراديكالي استسلام ولد هيبة وهدّده البتار بالقتل في رسالة مفتوحة في 2010. وقيل أن الشقة تباعدت بينه وبين ولد السمّان، آخر حلفائه. ولسوء الحظ لم ينعم ولد هيبة ببيعته للجنرال عزيز الذي توقف فجأة عن الحوار واختطف السلفيين إلى مكان مجهول. كان اسم معروف قد أصبح معلمياً ولم يعد يمكن إطلاق سراحه في ظل الدعاية الأمنية للجنرال عزيز، الذي أصبح يقدّم نفسه أنه “قاهر الإرهاب”.

وتُرك ولد هيبة للأمراض والجوع في إحدى أسوأ السجون في المنطقة. وقد سكت ضمير المجتمع السياسي عن عذاب السلفيين. وأسلم معروف الروح. ولا نعرف هل مات كمداً أم صبراً أم احتساباً. ولكنه، مقاتلاً أم سجينا، كان ضحية أخرى من ضحايا السلطة التي تحكم منذ 2008.

Abbass Braham

أهالي ولد الهيبة أمام بوابة المستشفى العسكري

تجمهر العشرات من أهالي السجين السلفي معروف ولد الهيبة، أمام المستشفى العسكري بنواكشوط، زوال اليوم الاثنين بعد الإعلان عن خبر وفاته ونقله إلى نواكشوط.
وفي تصريح لصحراء ميديا قال محمد ولد أوداعه، خال ولد الهيبة، إن خبر وفاته وصلتهم عن طريق شخص اتصل من مدينة نواذيبو على والد معروف أخبره بطريقة غير رسمية بنبأ وفاة ابنه.
وأشار ولد أوداعه إلى أن والد معروف موجود في مدينة سيلبابي، جنوب شرقي موريتانيا.
وأوضح أن سبب تجمهرهم هو أن أنباء وصلتهم تفيد بأن جثمان معروف ولد الهيبة موجود في المستشفى العسكري، فيما وصلتهم أنباء أخرى تفيد بأن جثمانه في إحدى الثكنات العسكرية، وأخرى تؤكد نقله على متن طائرة عسكرية من مكان سجنه.
وأشار إلى بعض الشائعات تتحدث عن تواجد ولد الهيبة منذ فترة في أحد مستشفيات العاصمة يتلقى العلاج، وشدد على أنهم حتى الآن لا يتوفرون على معلومات مؤكدة حول مكان تواجد الجثمان.
وقال ولد أوداعه إنهم كعائلة “لحد الآن لم يبلغنا أي اتصال رسمي من السلطات يؤكد الخبر أو ينفيه”.
– صحراء ميديا

واقع الإعلام الرياضي في موريتانيا

الإعلامي محمد الأمين أحمد

لا يختلف اثنان على أن الإعلام الموريتاني بشكل عام، والرياضي بشكل أخص، يملك قدرة فائقة على صناعة الحدث الرياضي، غير أن هذه القراءة في واقع الإعلام الرياضي الموريتاني، يمكن تصنيفها في خانة المثابرة لكاتب هذا المقال، الذي يحلم ويطمح، بل ويتمنى أن يلتفت أصحاب القرار إلي معاناة ومشاكل الصحافي الرياضي الموريتاني. ألا يمكن أن نطرح الأسئلة التالية: هل كان الإعلام الرياضي في موريتانيا، سواء أكان مرئياً أو مسموعاً أو مقروءاً بمستوى المسؤلية في التغطية الإعلامية للمشهد الرياضي الموريتاني؟ وهل كان له دور مؤثر في الرياضة الموريتانية؟

و بدون الوقوف على الصعوبات والعقبات التي تواجه عمل هؤلاء ومنحهم فرص السفر للخارج للمشاركة في الدورات الإعلامية وتغطية المهرجانات و الفعاليات والكرنفالات الرياضية التي تشارك فيها الفرق الرياضية الموريتانية على المستوى القاري والعالمي.

فلا تجد إتحادا إعلاميا رياضيا مهنيا يدافع عن هذه الفئة من الإعلاميين الرياضيين المتخصصين، و يكون لهم خير داعم ومساند ضد ما يواجهونه من مخاطر وصعوبات في مهنة المتاعب.

لكن لابد من فهم حقيقة أن الإعلام الرياضي وفي عصر الرقميات والتكنولوجيا، قد زادت أهميته أكثر من ذي قبل، فقد أظل شريكاً فاعلاً في التنمية الوطنية الشاملة. فهو من يتمكن من تشكيل الرأي العام الرياضي المستنير وصياغة توجهاته والتأثير الإيجابي في وعي وثقافة الجماهير.

غير أن الواقع الحالي للإعلام الرياضي الموريتاني، أمسي بحاجة لمراجعة شاملة؛ لفحص وتحليل السياسات بكل شفافية وموضوعية؛ للدخول إلى المنطلقات؛ وتحقيق الأهداف.

والمطالبة بالإهتمام بالصحافة الرياضية الموريتانية، بالرفع من شأن صحافتنا الرياضية قاريا ودوليا! فلابد من إستراتيجية عمل واضحة المعالم، لإستغلال الإعلام الرياضي، وجعله يساهم في إنجاح المشاركات الخارجية من كل الجوانب، سواء أكان ذلك من خلال تشكيل الوفود الإعلامية المتخصصة، والتي لديها القدرات والإمكانيات على متابعة الحدث، أو من خلال التشجيع المستمر، وتسليط الضوء على تلك المشاركات بواسطة الصحف الرياضية والقنوات الفضائية، فضلاً عن الحصول على السبق الإعلامي لصالح وكالات الأنباء والمواقع الإلكترونية المختلفة.

رغم صعوبة المهمة، وقلة الإمكانياتـ، وشح الخبرات، وعدم توفر الدورات التدريبية المتخصصة، وخلو الساحة من المدارس والمعاهد الرياضية المتخصصة، والتي تكون على مستوى عالٍ من المهنية والإحترافية، بما يساهم في ولادات جديدة لطاقات عالية الكفاءة والمهنية، يكون بإمكانها سد الفراغ الحالي في الصحافة الرياضية الموريتانية. على الرغم من كل ذلك لابد من الإنحناء تقديراً لصحفيينا الرياضيين على اختلاف انتماءاتهم ومرجعياتهم، فمطلوب من قبل القائمين على المؤسسة الإعلامية دعم الصحافة الرياضية، من خلال الإصرار الدائم والمستمر على نقل الأحداث الرياضية بالاستعانة بالوكالات والقنوات العربية والأجنبية، واستقاء المعلومة منها.

وعلى الرغم من صعوبة المراحل والأشواط التي قطعها الإعلام الرياضي الموريتاني، والفترات العصيبة التي مر بها ، إلا أن مهمة التطوير الرياضة في موريتانيا، تقع على عاتق الإعلام الرياضي الموريتاني،و بالتأكيد لن تكون أكبر من قدرات وإمكانات صحافي الرياضي الموريتاني؛ فالإعلام الرياضي قادر على مواكبة التطور التكنولوجي، ونشر نشاطات وإنجازات وتطورات ومستجدات الساحة الرياضية الموريتانية، وما يرافقها من مشاريع وخطط تنموية وإعمارية، و،عن طريق القنوات الإعلامية المرئية والمسموعة والمقروءة.

والإعلام الرياضي الموريتاني، يملك التأثير في مسيرة وإتجاه الشكل العام للرياضة، وهو قادر على تجاوز الصعاب وتغطية الحدث الرياضي وكامل الحراك الرياضي بما فيه الكفاية، فضلاً عن إبراز مكامن الخلل في مفاصل الرياضة، ونقل صورة حقيقية عن واقع الرياضة بعيداً عن الإعلام المزيف، بالتعامل مع الأحداث بروح رياضية وأخلاقية عالية، بما يساهم في تطور المسيرة الرياضية في موريتانيا نحو الأمام.

وهنا يبرز دور القائمون على الإعلام وعلي الرياضة، بتغذية الأفكار البناءة بالمفاهيم والقيم، مما يساهم في تقدم المسيرة الرياضية والشبابية، وتوظيف مبدأ الشفافية لمصلحة الإعلام وإبراز الحقيقة والإبتعاد عن الأخطاء.

وفي النهاية ..أمور لا بد منها للإنتشار والعمل الناجح على ضرورة توظيف القدرات الإعلامية في تغطية البطولات المحلية في كافة الألعاب الرياضية المختلفة لزرع قيم الإخاء والمحبة والتعاون والتكافل بين أبناء الشعب الموريتاني المنتمي للأندية الرياضية وإرشادهم إلى المعاني الجليلة التي يعنيها التنافس في كافة الميادين الرياضية وأهمية ذلك في تنمية القدرات والمهارات الشبابية بدنيا وعقليا ومعرفيا وتماسكا وتلاحما وطنيا وإنسانيا وتنمية الروح الرياضية التي لا يمكن أن تشكل إلا بروح البذل والعطاء والتطوع والرغبة الأكيدة في التميز والتفوق ونجاح وفوز المشروع الرياضي في كل الميادين الرياضية.

لا خلاف على أن الإعلام الرياضي، يؤثر بشكل كبير في النمو السلوكي والقيمي لأفراد المجتمع في المجال الرياضي. وللإعلام الرياضي دور هام في رفع مستوى الثقافة الرياضية وزيادة الوعي الرياضي في المجتمع و تعريفه بأهمية ودور الرياضة في الحياة العامة و الخاصة. كما يستخدم الإعلام الرياضي في تعريف العالم الخارجي، بالأحداث والتطورات الداخلية. وعليه تبرز هنا مجموعة من الأمور، التي تدفع للانتشار الواسع و الإرتقاء بالعمل الإعلامي الرياضي، ومنها الموضوعية والتوازن في العمل وتغطية الأحداث و عدم المبالغة في الإهتمام برياضات أو فرق دون أخرى كما يجب أن يتم التركيز على دور المنتخبات والأندية، بدلا من التركيز على الأفراد في الوسط الرياضي وعدم الإساءة للأشخاص والفرق أو الجماهير، بشكل مباشر أو غير مباشر؛ إذ أن التجريح لا يخدم الصالح العام، بل يعمل على زرع التعصب وتغذيته في نفوس الجماهير. وألا يكون الإعلام الرياضي، جسراً للإنتقادات والمهاترات.

بل بلإهتمام بالإخبار والرسائل الإعلامية الرياضية الهادفة، التي تعزز القيم الاجتماعية والأخلاق الرياضية بالعمل على وجود ثقافة رياضية سليمة، تتميز بالإجماع الوطني، والعمل على تغذيتها وتعزيزها باستمرار و ضرورة إستغلال الإعلام الرياضي، للتقارب والتعاضد والتحابب ونشر ثقافة الحب والألفة بين الرياضيين الموريتانيين في الوطن .

إعداد وتحقيق

الإعلامي محمد الأمين أحمد

stmohamedlemine@gmail.om

 

 

المصدر

مجموعة قومية باسم “الرأي السياسي” تصدر بيانها الأول عن وضع البلاد

“من أجل نظرة منتجة، تفيد المتلقِّي وتنيره في أفق الاستحقاقات المقبلة، لابد من التمييز بين المجال السياسي والمشهد السياسي. فالمقصود بالمجال السياسي، هو عمق المسألة السياسية ولُبُّها. ونعنِي به هنا جذورَ وأسبابَ وعلاجلاتِ الأزمة البنيوية، ومستقبلَ المجتمعِ والكيانِ، والمسارَ الحقيقيَّ للأمر العامّ والقضايا الكبرى.

وهو اليوم أشبه – في ثقافتنا التقليدية – باللَّوْح عندما يكون سائلا مُبلَّلا، قد امَّحتْ حروفُه أو اختلط بعضها ببعض، تحت تأثير المطر أو العَرَق أو أي سائل آخر، فلا يستطيع أحد قراءة ما كتب على هذا اللَّوح. قد يتراءى للقارئ ألِف هنا وكاف هناك وحرف أو اثنان في مكان آخر، لكن لا يمكن قراءة سَطْر أو حتى كلمة منه.

هذه – بإيجاز – هي الصورة التقريبية للمجال السياسي عندنا اليوم. إذْ لم نستطع أن نصل في هذا المبحث إلى بلورة تصوُّر يُذكر يُجانِب الأفقَ المتشائم. إنها جهة لا يبتسم فيها أمل.

وليست ضبابية المجال السياسي هذه مقتصرة علينا نحن، بل إننا لم نجد أحدا غيرنا استطاع قراءتَه وتفكيكَ رموزه، على الرغم من المحاولات الكثيرة التي نراها يوميا، في الندوات والكتابات والمقابلات والبرامج الإذاعية والتلفزية وغيرها…

أما المشهد السياسي فأمره بسيط: سلطة حاكمة، بإيجابياتها وبسلبياتها، ومعارضة.

ولْنبدأْ بالمعارضة، لنجد – دون الحاجة إلى الغوص بعيدا – أن الناس شبه متفقين على أنها لم تعد ذات مصداقية، وأن أهلها قد اشتغلوا في الأعوام الأخيرة بأمور غير مقبولة ولا مدروسة ولا واقعية.

ربما يكون شعار الرحيل الذي اشتغلوا فيه ردحا من الوقت ودعوا له الجماهير، على غير طائل، قد لعب دورا كبيرا في ذلك الانحطاط.

كذلك، انعدام البرنامج وافتقاد المشروع، من العوامل الأساسية المفهومة التي أوصلت المعارضة إلى وضعها الحالي. يضاف إلى ذلك حالة التشرذم التي تنخر جسم المعارضة في العمق أكثر مما هو بادٍ على السطح.

إن المعارضة السياسية الحالية، باختصار شديد وبكل موضوعية، ليس فيها ما يجذب أحدا أو يبعث أملا أو يشكِّل بديلا. أما النظام، فإن له سلبياته وإيجابياته، ولنبدأ بالإيجابيات:

أول ما استمد منه نظام الرئيس محمد ولد عبدالعزيز التعاطف الشعبى، هو خيبة الأمل المبكرة للجماهير فى النظام الذي سبَقه. فذلك نظامٌ قد وُلد بلا مصداقية، لأن رئيسه لم يكن قد ترشح من ذي قبل أو أبان عن طموح أو دور سياسي يذكر، وإنما رُشِّح وأُقحم فيما لا قِبَلَ له به.

ثم إن القوة التي رشحته وأنجحته في الانتخابات، لم تكن تملك تصورا واضحا عما هي مُقْدمة عليه، وقد تبادَرَ مبكرا أن المجتمع العميق ليس مع هذا الاختيار، وأنه بدون دعم المجتمع العميق، لا يمكن لأحد أن ينجح وإذا نجح لن يستمر.

كذلك من العوامل الأساسية التي جذبتنا – وغيرنا كثير – إلى تأييد ومساندة النظام الحالي، تلك الشعارات الجميلة التي رفعها أولَ مجيئه، مثل: شعار محاربة الفساد، الذي طرحه الرئيس محمد ولد عبد العزيز بلهجة واضحة وبسيطة وقوية، لم نعَهدها قبله في هذه البلاد… وكذلك شعار محاربة الفقر، والتوجه إلى أحياء الصفيح وتخطيطها والوعد بتوفير منزل لكل أسرة من ساكنيها… مما كان يعتبر أقرب إلى حلم منام.

العامل الثالث، أن النظام بدأ – منذ أيامه الأولى – يطلق ويدشن بعض المشروعات البراقة وسريعة النتيجة نسبيا وهي – على كل حال – خير من العدم، مثل الشوارع المبلطة و”اسكانيرات” وحل مشكلة الكهرباء ومشروعات المياه في مثلث الفقر وغيرها.

أما الجانب الشخصيُّ والجاذبيةُ وما يشبهها، فإنه يمكن لشيء من ذلك أن يُلتمس في بساطة وعفوية الخطاب والأسلوب والشخصية…

العامل الخامس، هو ما أظهره الرئيس عزيز من عدم مسايرة تلك الجهات الانتهازية والمتمصلحة على الساحة السياسية والمالية والإدارية والاجتماعية…

يضاف إلى ذلك كله، طردُ سفير إسرائيل وقطعُ العلاقات نهائيا مع الصهاينة.

ثم جاء برنامج إصلاح الحالة المدنية وتدقيقها وحمايتها، الذي نعتبره من أهم الإنجازات.

زد على ذلك كله، أن الرئيس والنظامَ نفسه، هو رمز لمؤسسة عسكرية طالما قدَّرناها واعتبرناها بمثابة العمود الفقري للكيان الموريتاني؛ مع يقيننا التام بأنه لا يوجد لها بديل، يُنتظر منه القيام بتلك المهمة الوجودية.

كذلك، من أهم مبرراتنا، على الإطلاق، ودوافعنا لاختيار النظام، ضرورة استتباب الأمن على الحدود، وعدم وجود بديل يمكن التعويل عليه في ذلك وغيرِه من التحديات والمخاطر المحدقة حاليا.

أما نحن، بوصفنا أصحابَ رؤية سياسية متواضعة، وبوصفنا أشخاصا أسلموا زمام أمرهم، منذ الوهلة الأولى، إلى النظام الحاكم فإننا، مع الوقت وما نراه من نواقص وأخطاء هذا النظام، وما نقرأه ونستشرفه من مخاطر حالية ومستقبلية تواجه المجتمع والكيان، دبَّ فينا القلق وتزايد. ولسنا وحدنا في ذلك، بل إن مجموعات وأفرادا كثيرين يشاطروننا القلق وعدم الرضا.

لقد كنا نظن أن الرئيس محمد ولد عبد العزيز ومن معه سيسْعَوْن ويَشْرَعُون – مع الوقت – في بناء نظام منسجم وفعال، وأنهم لن يقتصروا ويكتَفوا بإقامة سلطة سطحية، بلا قيادات ولا رجال مسؤولين ولا أدوار موزعة ولا مؤسسات حزبية أو مدنية ولا إعلام… كل ما نراه هو قرارات عشوائية وارتجالات تفتقر إلى الإنضاج في فُرْن النقاش السياسي والدراسة والتمحيص.

لم نَرَ أيَّ صيغة – مهما كانت بدائيتُها – للعمل السياسي وإشراك الأصدقاء والمخلصين في الرأي والقرارات السياسة. إن من أغرب المفارقات في السياسة، أن تجد نظاما سياسيا لا يسعى إلى خلق وتقوية أدواته. وأن يتمادى ويرتاح إلى انعدام صلة أو تنظيم أو جهاز للربط بينه و بين شعبه.

هذه المظاهر وهذه الوضعية، لا يمكن لمثلنا، ممن يقرأ المشهد أو يتطفل على السياسة، أن يرتاح لها ويطمئن. بل إن القلق على الوضع بلغ بنا حد التساؤل عن إمكانية بقاء النظام القائم؟

والجواب الموضوعي، هو – بلا شك – أن النظام الحالي لا يمكنه البقاء، إذا استمرت نفس الصيغ ونفس العلاجات الفوقية والتهديئية.

أما الجواب غير الموضوعي، فربما يكون مَردُّه الى المبالغة فى تقدير الاستقرار الحالى.

إن ما يتمتع به النظام من استقرار هو استقرار سطحي، ليس له سند في العمق أو أدواتٌ تضمنه، مما يجعله معرضا – في أي وقت – للهزات العنيفة والضربات الموجعة وحتى القاضية.

والحق، أن النظام إلى فترة قريبة، تزيد قليلا على العامين، كان، إلى حد كبير، ممْسكا بزمام المبادرة، لكنه بدأ من ذلك الحين يفقده، ثم زاد من ذلك إصابةُ الرئيس وفترةُ علاجه. ومن مظاهر فقدان النظام لزمام الأمور، أن عامة أقواله وأفعاله أصبحت عبارة عن ردات فعل على ما يفعله ويقوله الآخرون.

لقد فقد النظام زمام المبادرة بعد أن ظل يمسك خصومَه بأهداب عيونهم ثلاث سنوات أو أكثر.

إن أكبر خطإ يمكن لنظام سياسي أن يقع فيه، هو العزوفُ عن خلق وتقوية وتطوير أدواته السياسية، والإعراضُ عن النقاش السياسى وعدمُ اعتباره طريقا لتفادى الأخطاء والمآزق والضبابية.

قد يلاحظ النظام الحالي ضعفَ معارضته وعدمَ قدرتها على إسقاطه وهزه، ونحن متفقون معه في هذا التقييم، على الأقل في وضع المعارضة الحالي. لكنَّ الظنَّ بأنَّ المعادلة السياسية مقصترة على النظام والمعارضة الظاهرة، هو غلطٌ منهجيٌّ كبير، وسقوطٌ في فخ استراتيجيٍّ خطير، لأنه يُهمل العنصر الثالثَ الأهمَّ في المعادلة، ألا وهو “المجهول”.

فالمعادلة السياسية – حقيقة – تتألف من ثلاثة عناصر:

النظام الحاكم؛

المعارضة السياسية؛

المجهول.

والنظام الناجحُ الفَطِن، يوجِّه نظره وعمله إلى المجهول، قبل المعلوم (المعارضة)، لأن المجهول هو المعارضة الحقيقية دائمةُ القوة، البارِعةُ في انتهاز الفُرَص واستغلالِ الثغرات. وإلا فما الذي أسقط زينَ العابدين بنَ علي؟ هل هي معارضتُه الطافحةُ على السطح الناشطةُ في الداخل والخارج؟ لا، أبدا! وإنما أسقطه ذلك الغول الرهيب، الذي أطلقنا عليه – تَـجَـوُّزًا – “المجهول”. فلا زينُ العابدين، ولا حلفاؤُه، ولا معارضوه كانوا يحسبون له أيَّ حساب، حتى باغتهم وأربكهم وقهرهم.

وقبْلَ أسابيع، كادت الأمور تخرج عن السيطرة هنا في موريتانيا؛ وذلك بمجرد إشاعة كاذبة روَّجتها إحدى الجهات، مفادُها أن المصحف قدتم تمزيقُه في إحدى مقاطعات نُواكشوط. فلو خرج الغاضبون وقتَها إلى أماكن معينة، ووقع احتكاك جِدِّيٍّ بينهم مع السلطات، لكانت الأمور قد أخذت مجرى آخر، لا أحد يستطيع التنبؤَ بحجمه أو مآلاته…

نفس الشيء بالنسبة للتجمع الذي عقدته إيرا. وقبل ذلك مظاهرات أخرى بسيطة فى الأصل، لكنها قابلة للتطور نحو المجهول. إنها أمثلة صغرى، لا تُقارن بأشياء أخرى يمكن أن تحدث في أيّ وقت وبأيّ مناسبة.

إذا كان المجهول قانونا ثابتا في فن السياسة، فإن أول من عليه أن يُعنى به، بدون توان أو تَرَاخٍ، هو النظام الحاكم.

والسياسي الحكيم يتوجه بعقله وعقول مساعديه إلى ذلك العنصر الغاشم في المعادلة السياسية، بشِقَّيْها: الداخليِّ والخارجيِّ. لأن “المجهول” غُولٌ مفترسٌ مُخْتَفٍ وانتهازيٌّ، لا يتوقف نمُوُّه، ولا يمكن صَدُّه حين يُخرج رأسه.

يقول كلاوز فيتش: “إن الحرب موجهة دائما ضد الضعف البشري”.

والسياسة كممارسة، موجهة فى العمق – هي الأخرى – إلى ذلك الغول المختبئ.

أما بالنسبة للمآخذ العامة التي نأخذها على النظام – بوصفنا مجموعةً سياسية ذات رؤية خاصة بها – فيمكن تلخيصها في النقاط التالية:

المأخذ الأول والأساس، هو مسألة اللغة، حيث إن هذا النظام لم يُحدث أي شيء في اتجاه استرجاع البلد للغته؛ وما زالت جيوب استعمار ية تنشط داخل المجتمع والإدارة، قاطعة الطريق على لغة البلد، فلا تكاد ترى دراسة أو عملا فنيا أو إداريا أو تجاريا باللغة الرسمية للبلد والمجتمع.

لقد قام المجتمع الموريتاني، بدءا من سنة 1979، بفرْض تعريب حقيقيٍّ للتعليم، رغما من الأنظمة الحاكمة، لكنْ، كيف تعاملنا مع تلك الأجيال من الأطُر والشباب والمثقفين المتخرجين على مدى 35 سنة من المدارس النظامية والمحاضر الموريتانية المعرَّبتيْن؟ ما مصيرهم؟ وهل ستبقى الدولة والإدارة واقفتيْن أمام هذه الأمواج من الموريتانيين المعرَّبين، والذين يشكل الشباب أكثر من 90 في المائة منهم؟ هذا الشباب الذي يريد النظام الحالي محاورته وإشراكه!

المأخذ الثاني على النظام يتركز في ما شهدته وتشهده الدولة من فقدان هيبتها والدس على أنفها وتحديها بكل صنوف الأقوال والأفعال.

والمأخذ الثالث، هو ما تعرفه الإدارة المركزية والإقليمية من ضعف متزايد وتخبُّطٍ وإهمال وارتجال ومحسوبية… أما المأخذ الرابع، فيتركَّزُ في التدهور الأخلاقي الشديد: في السياسة والتجارة والصحة والتعليم والمرور والإعلام… والذى من أوضح مظاهره وأشنع صنوفه إمكانية استيراد باخرة مَلْأى بالمواد الغذائية منتهية الصلاحية أو الأدوية المزورة… كل ذلك دون أيِّ معاقبة للمستورد والمسؤول المتواطئ أو المُهمل.

إنه لولا اطلاعنا على الساحة، لأضفنا مأخذا خامسا خاصا بنا، قلنا فيه إن النظام مُصِرٌّ على تجاهلنا الدائم والواضح وإبعادِنا عن الرأي والحكومة والإدارة والسياسة والاقتصاد…

لكن الموضوعية والنزاهة الفكرية تقتضي منا الاعترافَ بأن جميع المجموعات، وحتى الشخصيات المتمرِّسة، التى ساندت هذا النظامَ بتفان وإخلاص، منذ بزوغ شمسه يوم 6 آغسطس 2008، مهمَّشة هي الأخرى ومُبْعَدَة، ووصل الخطأ أو الخطَل فى النظرة، حَدَّ التنظير والتحجُّر، وأنَّ على السياسيين التنحِّي عن ساحة السياسة وأن الوقت قد حان ليحل محلهم خلق جديد… سيبدأ لا محالة لفترة غير قصيرة تعلم تلك الأبجدية العصية والقاحلة: أبجدية السياسة. إنه منطق لا يستقيم على قدمين.

لقد حَمَلَنا خوفُ الالتباس على العدول عن لغة الخشب ولهجةِ “البلطجية”.

إننا نعتبر أنفسنا جزْءا من النظام، وإن تَبَدَّى لنا – شيئا فشيئا – أن هذا الفهم إنما هو من جانب واحد، هو جانبنا. ولذلك نرى أن من واجبنا المشاركةَ، ولو بكلمة، فى الحيلولة دون بَتْر الأمل وضَيَاع المشروع.

لا شك أن بيننا وبين نفوسنا خصومةً عنيفةً. ولكنْ، وبعد تردُّدٍ، انتصر حُبُّ الحقيقة ونبذ الإرادة العاجزة. فبدون ذلك ستكون صداقتنا المفروضة خالية أو كالخالية من النفع.

وفي النهاية، كما أن كل تصرف وكلَّ قول فى هذه الفترة يمُتُّ بصلة إلى الاستحقاقات المقبلة، فإننا نترفَّع إلى مستوى الإرشاد المُلِحِّ – تجنُّبا لعبارة التحذير – وأن نجد أنفسنا عشيةَ الانتخابات الرئاسية محشورين فى نفس المربع، وكأن خمس سنوات من الحكم لا تلد ولا تستحق استخلاصات ودروسا.

فعلى الانتخابات المقبلة، لكي تكون ذات قيمة، أن تقضي على التأزمات الحالية وأن تفتح عهدَا جديدَا من الأمل والتفاؤل، وإلا فإنها ستكون بمثابة طقس مضلل لا طائل من ورائه”.

الرأي السياسي

المصدر.

كيف أذعنت قطر؟

JPG - 5.3 كيلوبايت
الاعلامي علي الظفيري

نعم، لقد رضخت قطر أخيراً، وعادت للحظيرة الخليجية، ستطرد القرضاوي، وكل الإخوان المسلمين الذين يقيمون على أرضها، وكل من تشتبه في انتمائه للإخوان، وستتوقف قناة الجزيرة عن تغطية الشأن المصري، ولن تصف الانقلاب العسكري بأنه انقلاب، ستقول عنه مثلا إنه ثورة تصحيحية، أو لنقل صحوة ضمير للمؤسسة العسكرية

، التي رأت – بعد ستين عاماً من حكمها للبلد- ضرورة شطب هذا العام الديمقراطي الاستثنائي الشيطاني الإرهابي، والعودة لما كانت عليه الأمور من رخاء واستقرار وازدهار، وقطر ستعود مرة أخرى للسرب الخليجي، ولن تكون شوكة في خاصرة المجلس وأمنه وقوته، فدعم الديمقراطيات الناشئة في عالمنا العربي أكبر خطر على منظومة المجلس، وليس إيران أو إسرائيل أو السياسات الأميركية التي تمنع أي أحد من الخروج من دائرة التخلف والضعف، ولا تسمح سوى لإسرائيل بذلك.

لو اكتفيت بالفقرة أعلاه عزيزي القارئ، لوجدت الأمر على هذا النحو في الإعلام الذي تناول المصالحة الخليجية، فوسائل إعلام كثيرة – ومحددة – قدمت الاتفاق على هذا الشكل، إذعان قطري، وحالة رعب قطرية دفعت الدوحة للعودة إلى طاولة التفاوض، والقبول بكل شيء، كل شيء كما أوضحت الصحافة العزيزة والمهنية والراغبة بالتوافق والمصالحة وإنهاء خلافات البيت الواحد! لكن الأمر ليس كذلك على الإطلاق، غريب؟ نعم غريب، كل شيء في عالمنا العربي غريب، وفي أخلاق بعض الصحافة أكثر غرابة، وهو غريب لأسباب، فلا القرضاوي طُرد من قطر، والصورة التي راجت له في تونس كانت في زيارة قديمة، قبل شهرين تقريبا، وهو مواطن قطري، ووجوده في هذا البلد غير قابل للنقاش، وهذا ليس موقفا أو تحديا أو أي شيء، إنه الوضع الطبيعي لو انتبهنا، كما أن الدوحة كما فهمت لن تغير موقفها من الانقلاب في مصر، ثم من قال: إن سحب السفراء كان بسبب الأوضاع في مصر، ألم يكن بسبب أمن دول الخليج وقضايا داخلية! ومن تحدث عن موقف الجزيرة من الانقلاب؟ هل طالبت الدول التي سحبت سفراءها بشيء من هذا القبيل؟

ألف مرة تحدثنا عن الخلاف السياسي، وضرورة بقائه في دائرة العمل السياسي، وهذا ما قامت به كل من السعودية وقطر في إدارة خلافهما، وهو الخلاف الذي راهنت على انتهائه سريعا، وحدث تماما ما توقعت، لأن البلدين تعاملا مع المسألة بعقل سياسي، وليس بالشتائم والحملات والإهانات والتعريض، لكن بعض وسائل الإعلام، والتي لا تعبر عن المصلحة الوطنية الحقيقية، بل مصالح ملاكها والعاملين فيها، أرادت الأمر على نحو آخر، لم يكن لديها عمل في هذه الدنيا سوى قطر، ولو حظرت استخدمها لكلمة قطر، لما وجدت مادة صحفية تستحق المتابعة، وهي الوسائل التي حرضت قبل الخلاف، وازدهر عملها أثناء الخلاف، ودخلت في مأتم بعد انتهائه، بل وحاولت التخريب بكل ما أوتيت من قوة على أجواء المصالحة، فترديد الحديث عن الإذعان والتنازل – بلهجة المنتقم والحاقد والراغب بعدم التوصل لاتفاق – كانت واضحة المقاصد، وقد فشلت في ما كانت ترمي إليه، وسقطت بكل حقارة أمام الجمهور، وأعني الجمهور العام، فهناك من يعرف أهداف هذه الوسائل من اليوم الأول الذي انطلقت فيه.

هل أذعنت قطر؟ لا لم تذعن، ولم يكن الاتفاق والمصالحة إذعانا من أحد لأحد، إنه اتفاق إخوة وشركاء في منظومة واحدة، وقد تنازل الجميع للجميع، والتنازل في هذه الحالات رفعة وعزة، وليس مهانة، إنك تبحث عن رضا أخيك فتقدم له ما تستطيع تقديمه، دون أن يكون ذلك على حساب موقفك وتقديرك وكرامتك، ومن لا يفعل ذلك لا يستحق الأخوة.

المصدر

الاعلامي العربي علي الظفيري

مصالح اللصوص

محمد المختار ولد احمين اعمر

لقد تابعت وبأسف بالغ تصريحات السيد وزير الإتصال والعلاقات مع البرلمان حول جريمة تدنيس المصحف الشريف، وقد لاحظت أن السيد الوزير الناطق الرسمي بإسم الحكومة تعامل مع هذه الحادثة الشنيعة بإستخفاف لافت وكأنها حدث سياسي عابر، يجب القفز عليه كغيره لينجلي في مطبات الأمن والمعارضة والحريات.

كما تناول السيد الوزير قضية الشاب المغفور له بأسلوب لغوي خال تماما من الإنسانية والشفقة ونسي أنه يتحدث بإسم حكومة قتلت إنسانا وأنه في الوقت ذاته يخاطب بيت عزاء. ثم في خرجة أخرى يتطاول على حزب اتحاد قوى التقدم، ذلك الحزب العريق صاحب السجل الذهبي المتميز والمشهود له بالمقاومة والنضال عبر تاريخ موريتانيا منذ الإستقلال وقبله. ولاشك أن الوزير ومن يدور في فلكه وبعض العامة سيتحاملون على ولد احمين اعمر، تلك الشخصية من منظورهم المثيرة للجدل، صاحبة الرقم القياسي في الترحال السياسي، بل وأكثر من ذلك نعوت أخرى. وقبل هذا وذاك ولإزالة اللبس فإنني أعترف وليست معرة أن يقول المرء الحق ولو على نفسه.

إنني بعد مضي سنة من النضال المستميت وحمل شعار الرحيل، إكتشفت أن المعارضة بجميع أطيافها وألوانها لم تجد بدا من المطالبة بالرحيل، طبقا للسان الحال وتماشيا مع الربيع العربي، لكنها عكسا للثورات الأخرى، حاولت إنجاز حلم لا يمكن أن يتحقق إلا بدفع الثمن من الجسم والوقت والجيب والوظيفة، وهو مستوى التضحية الذي لم تصل إليه المعارضة، إما حرصا منها على السلم الأهلي أو خوفا من دفع الثمن المذكور. حينها قررت بعد مبادرة مسعود ولد بلخير، التقدم بمبادرة من خمس نقاط، وقابلت رئيس الجمهورية عدة مرات، كانت أولاها أقساها وعندما خرجت من تلك المقابلة في يونيو 2012، صارحت الجميع عبر بيان كان عنوانه: “ولد عبد العزيز لا يحاور ولا يناور”، وإختتمته بالقول: “إنني أحمد الله على السلامة” بعد خروجي من المكتب.

رفض السيد الرئيس إشراك المعارضة في اللجنة المستقلة ومراقبة الوثائق المؤمنة والحكومة الإنتقالية، وضرب بعرض الحائط كافة المقترحات، وصدقت إلى حد الآن حينما قلت سابقا أن ولد عبد العزيز لا يحاور ولا يناور.

في المقابلة الثانية وافيت الرأي العام بالنتيجة، وكان من أبرز ما دار بيننا مما هو قابل للنشر في تلك الآونة سؤاله الشهير: “لماذا تقول أنني حمار”؟ في هذه الفترة جمدت نشاطي في حزب اتحاد قوى التقدم، الذي لم أستقل منه وقررت هدنة مع النظام، فرضت علي لسببين اثنين:

1 – كوني عمدة منوط بحقوق كثيرين وأصبحت مصدر حرمان لهم، بسبب مواقفي السياسية التي حاسبهم النظام من خلالها إلى درجة أن بلدية أوجفت مورس ضدها العقاب الجماعي في كافة أوجه التنمية.

2 – كوني أنتمي إلى مجموعة أهلية إكتوت هي الأخرى بنار مواقفي ومارست علي ضغوطات هائلة، ليس للعدول عن مواقفي، بل لكون النظام أعتبر أن كافة مواقف ولد احمين اعمر، التي يصفها بالمتطرفة قد تكون ممولة ومنظمة وممنهجة من طرف جماعة رجال اعمال اسماسيد. وبالفعل قد دفع هؤلاء أثمانا باهظة بعد سجنهم، وبعد إطلاق سراحهم. وهنا أي منا ليس مطالب شرعا بصيانة عرضه وماله؟ وكذلك عرض ذويه ومالهم؟.

نعم، جرى تذبذب على المواقف وربما ترحال لكن كم تفرع من الحركات والأحزاب من “FDUC” ومن “RFD” ومن بعدهم كم عدد أولاد وبنات الحزب الجمهوري اليوم وفي التاريخ القريب كي لا تخون الذاكرة النخبة كعادتها، ألم يلد حزب الاتحاد من أجل الجمهورية حراكا وكرامة وتنمية في أقل من أسبوع؟ ثم من حطم الرقم القياسي في الترحال الحزبي والعسكري؟.

إن وزير الإتصال والعلاقات مع البرلمان كان شيوعيا قبل أن يكون إخوانيا وقبل أن يصبح برزخيا. إنتمى مع آخرين كثر إلى حزب التجمع ثم الحزب الجمهوري ثم الحزب الجمهوري المعدل ثم “عادل”، ثم حزب الإتحاد من أجل الجمهورية؟.

وفي هذا السياق وعلى ذكر الترحال العسكري، تخللت كافة مقابلاتي مع السيد رئيس الجمهورية محطات ملفتة وقد يقول قائل من خلال نشر مقتطفات من المقابلات التي نشرت مؤخرا، أن فحوى ما قيل يوحي بتقربي للنظام. لكن الحقيقة أنني تطرقت فقط لوجهة نظر السيد الرئيس حول المال والأعمال والقبيلة والفساد من منظوره هو. مع أن كافة الحوارات جرت وأنا عضو فاعل بل شخصية وازنة في حزب اتحاد قوى التقدم، ليتسنى للقارئ أن الحوار قد يكون حميمي حتى بين طرفين يكون أحدهما يريد بريدا لبث الرسائل ويكون الآخر يريد إكتشاف ما وراء الخبر.

وتكملة لما ورد في حديث جرى بيني مع الرجل قال:

“دخلت على معاوية ولد سيد أحمد ولد الطايع وكنت أحمل تظلما من السيدة الأولى، لأنها دأبت على إعطاء الأوامر لجنودي مباشرة ودون علمي، ولما تكررت الممارسة، أبلغتها وطلبت منها الكف عن التعاطي مع هؤلاء دون علم قيادتهم”. وكان الجواب مسيئا إلى درجة الإهانة، حينها أصدرت أوامر للحرس برفض طلبات السيدة الأولى ورفض التجاوب معها، إلا بواسطة القيادة. منذ ذلك التاريخ، بدأت الأزمة الصامتة وتجلت مباشرة في التعاطي اليومي بين الأفراد وسرعان ما لاحظت أن وجودي في القصر أصبح مزعجا بل وأكثر من ذلك غير مرغوب فيه. وبعد مدة قصيرة تقدمت بطلب يتعلق بالمعاشات ومر بسلمه الإداري العادي، لكنه تعطل أمام تأشيرة السيد الرئيس. فتركت الطلب يأخذ مجراه دون متابعة، حتى تأكدت أن الأمر لم يعد طبيعيا، فطالبت بمقابلة السيد الرئيس، وبعد فترة سمح لي بذلك.

دخلت على الرجل في الصباح الباكر، وأديت التحية كالعادة ليستمر هو في قراءة ملفات معروضة أمامه، دون الإشارة إلي بالجلوس.، إنه أسلوب تأديبي مألوف، لكنه ممزوج بالإزدراء والإحتقار. وبعد دقائق رفع وجهه وأمرني بالجلوس، وقال: “تفضل” فقلت لسيادته أنني جئت لمتابعة الطلب، وكذلك في أمور أخرى تتعلق بأسلوب السيدة الأولى في التعاطي مع الحرس الرئاسي، ولم يمنحوني فرصة إكمال الحجة حتى نهرني قائلا: “كف عن تلك الترهات”، وأتبع ذلك مباشرة برفع كومة من الأوراق، ليخرج من تحتها الطلب، وبدلا من مد يده بالورقة وضعها على المكتب ورفعها بأصابعه حتى سقطت عند قدمي، وعاد مرة أخرى للنظر في الملفات.، وقفت عن المقعد وفي ثواني معدودات راودتني الفكرة أن أخرج وأترك الطلب ملقى في مكانه، لكن هاجس التربية العسكرية منعني. فانحنيت وأخذت الطلب وأديت التحية وخرجت، لكنني قبل الوصول إلى باب المكتب، اتخذت قرارا في نفسي وبلا رجعة وأقسمت أن أضع قدمي على “أذينتو” –حسب تعبيره- هناك.” وأشار بأصابعه إلى الجانب الشمالي من المكتب، قائلا: “سأرغمه على أكل “الوركة” – وهو الشاي الأخضر الذي يعطى للماشية بعد غليه -. لم أرتح لهذه العبارات خاصة أن معاوية ولد سيد احمد ولد الطايع إبن عمي، وهو رئيس جمهورية حينها. وسرعان ما تذكرت قضية الوزير الأول يحيى ولد أحمد الوقف عندما قال محمد ولد عبد العزيز أنه سيرغمه على أكل ذلك الأرز المنتهي الصلاحية. واستمر السيد الرئيس في الحديث ليستنج مايلي:

“هل من المعقول أو المقبول أن أضحي بنفسي وبمستقبلي وبأسرتي وأنجز إنقلابا من ألفه إلى يائه، كي أترك قيادة البلد لاعل ولد محمد فال أو سيدي ولد الشيخ عبد الله، ذلك العجوز الذي أجلسته على الكرسي وبكافة السبل ليستيقظ يوما وبجرة قلم يقيلني ويقيل جميع الضباط السامين في البلد؟. هل تعلم أن هذا الرجل الذي أسندت إليه قيادة البلد لضيق صدره قد حرر شكوى وختمها بختم رئاسة الجمهورية وأرسلها لوزارة العدل؟ بسبب أن شابا يدعى ولد صيبوط صحفي أخرج كاريكاتير يلبسه فيه زي نسائي سفلي، أم تعتقد يا ولد احمين اعمر أنني لما أزحت ولد الطايع واعل ولد محمد فال وسيدي ولد الشيخ عبد الله، سأسلم القيادة لحفنة العجزة الذين يقودون المعارضة حاليا؟، لن أسمح لأي منهم، بأن يصل إلى كرسي الرئاسة، ما داموا ينتهجون أسلوب الرحيل والشغب والفوضى”.

ويستخلص مما سبق، أن الإنقلاب الأول على معاوية ولد سيد احمد ولد الطايع لم يكن بدافع الغيرة على الوطن، وإنما هو ردة فعل على ما جرى فقط، ولم يكن الإنقلاب الثاني على سيدي ولد الشيخ عبد الله سوى ردة فعل أخرى بسبب الإقالة. ولم يكن بيان المجلس العسكري منسجم مع الأسباب كما لم يكن بيان المجلس الأعلى للدولة الثاني مطابقا للحقيقة، مع أن الانقلابين حدثا ونجحا ووجدا كفاية من الدعم على مستوى النخب والشارع والمنظومة الدولية.

تم إبعاد معاوية ولد سيد احمد ولد الطايع وتهميش اعل ولد محمد فال، وإزالة سيدي ولد الشيخ عبد الله وتهجير محمد ولد بوعماتو وعبد القدوس ولد اعبيدن والمصطفى ولد الإمام الشافعي، وكأن النظام يطارد كل من تسول له نفسه الطموح في الترشح للإنتخابات الرئاسية من أمثال: محمد الحسن ولد الددو، أحمد ولد حمزة، ومحمد سالم ولد مرزوك، وأحمد سالم ولد بوحبيني، بيرام ولد اعبيدي وأخيرا أنا.

دشنت قناة المحظرة يوم الأحد الموافق 2-3-2014، واختتم منتدى المعارضة مساء الأحد الموافق 2-3-2014 وحدثت جريمة تدنيس المصحف الشريف يوم الأحد الموافق 2-3-2014، إحتلت أخبار منتدى المعارضة مكان الصدارة في كل الصحف والمواقع الألكترونية والتلفزات والإذاعات الحرة، بينما إحتل تدشين قناة المحظرة مكان الصدارة في وسائل الإعلام الرسمية، وفي صبيحة الإثنين إختفت جل العناوين المتعلقة بالمنتدى، لتحل محلها أخبار الحدث الأعظم.

وفي مقارنة بسيطة مع تعاطي رئيس الجمهورية مع الحدث، ووزير الإتصال والعلاقات مع البرلمان الناطق الرسمي بإسم الحكومة، لابد أن ينتابنا الشك حول ملابسات الحادثة، نظرا لما كان يناسبها من ردود فعل رسمية عاجلة وصارمة، ومن هنا يجب على المعارضة بكافة أطيافها أن تمحوا من ذاكرتها فكرة الحوار أو التشاور أو التفاهم، ما دام ولد عبد العزيز قد أكد أن أيا من قادتها لن يسمح له بالوصول إلى كرسي الرئاسة. وعليها أيضا أن لا تستبعد أية ممارسة من طرف النظام ولو مخلة قد تؤدي إلى حرمانها وإبعادها ومطاردة كل من له طموح في الوصول إلى الكرسي.

وأسأل الله السلامة لكوني مترشح إن شاء الله في الإنتخابات الرئاسية المرتقبة.

الساحة إنفو

من عُطيل الموريتاني إلى تاجر البندقية

جلستُ على الشاطئ وحيدا  غير بعيد من الربوة التي تتناثر حولها أنقاض القلعة الهولندية القديمة في أكادير وقد تبدت في الأفق شمس المغيب وهي تكسو السماء بلونها الزحليّ العجيب وهو لون بكائي تختلط فيه الصفرة الكابية  بحمرة  عندمية  حزينة.. لحظتها خُيل إليّ أن الكون  تخلى عن كل جبروته  وتفرغ في ساعة ابتهال لعبادة ونجوى نادرة الحدوث فطفقت أنقش في الهواء ما نحته قبطيّ العفاف على جدران الزنزانة وأخطُ بعصا مصريٍ منسي في تابوت ما حفرته  منسأة مقدسيٍ على ريحٍ  مرّدت لوحدها صرحا من القوارير…

 

أروع ما قد يرسمه بشر على الأرض هو قصر رمل ينتظر مد البحر… لذا بنيتُ على الشاطئ قصري ووضعت له بوابة فخمة صففت لها  ثلاث  عصيّ  كعواميد الرومان بُعيد نجم خماسي فاخرٍ وعلى رأسها شرفةٌ مثل السنانِ المُقومِ ورمزتُ ميماً طميسا أبترًا كعنوان  بريدي ثم زودت البناء بسلم مربع مخفي وكأنه ليس بسلم بل كوةٌ يتسرب منها بصيص ضوء في أغوار مظلمة وكتيمة.

رأيت من رسمي عجبا فقد أخذتني نفسي بعيدا.. بعيدا وكدت أن لا أعود.

على  الرمل لاقيتُ عُطيلاً وهو يختار سفينة ضخمة من سفائن الإفرنج وليس معه من المتاع إلا منديلٌ صغير في جيبه. منديل حقير نسجته ذات يوم أسوانية سوداء  أو سونينكية كما  في دارج القول هذه الأيام.

منديل عُطيل حمل أسرارا دفعته إلى التعلق بالصارية السامقة وقد كانت تعتريه مثلي خيبات  ألزمته على ركوب البحر والمخاطرة بعيدا عن مضارب  المنقبين من لمتونة لذا انتبذ  في أكادير منذ سبعمائة سنة ورسم على رملها ما رسمت ورحل بعيدا وسأرحل مثله في الغد الباكر.

من الساحل الأسود الغربي رمته الأقدار صدفة في قنوات مائية عجيبة هي طرقات مدينة حالمة وعائمة وسعيدة تدعى البندقية ووحده شكسبير القادر على نقلى  ونقلكم في لمح البصر من أكادير مباشرة إلى البندقية.

لم يكن عُطيل هذا نتاجا جامحا من مخيلة وليام شكسبير الطفاحة بقدر ما كان موريتانيا صرفا فيه شيء من عروبة وشيء من زنوجة ودماء بربر ومخاطرة فينيق واستطاع بحيازة الأسرار وبالشجاعة أن يصبح سيد البحار دون منازع وابتسم له الحظ كثيرا فأحبته ديدمونة كريمة سيناتور البندقية ونائب “دوجها” المتنفذ.. وتتالت انتصاراته وأضحى بعد مسار مرير العزيز المَكين بأغنى وأقوى ممالك العالم.

كان عُطيل وقت اللقيا مرحا وحلو المفاكهة سريع البديهة ما إن بادرته بالتحية السريانية “أهمن سقكن”  أي كيف الحال حتى أجابني قائلا “حلعن يصن” وتعني قضيّ الأمر.. ورحت أجاذبه الحديث بتلك اللغة الشرقية البائدة التي اعتمدها أهل البرزخ وتنكبوا غيرها وعرفت من حديثه عن خفايا ضاعت وفهمت الدرس العويص.

عُطيل ككل موريتاني أحب بعنف واستبدت به الشكوك وتلاعبت به الظنون لذا لم تكتب له السعادة الطويلة  وهذا أمر مفهوم فالعاشق الموريتاني منذ زمن غابر مولع بسوء الظن وتصديق الوشاة ومبتلى دوما بشيء من السذاجة والطيبة  لذلك سقط  عُطيل في الفخ وقتل ديدمونة خنقا وهي تطارحه الحب على وثير فراش بعد أن رمت أيد آثمة منديل السونينكية في فراش رجل آخر.. فتيقن الموريتاني المتسرع أنه دليل أكيد على خيانة الحسناء الوفية.

ندم عُطيل ندما عظيما عندما خسر ,كابن زريق, كل شيء وراح يقارن في شاعرية أسيفة بين دماء الفقيدة والصمغ المجترح أبدا من أشجارنا البريئة.. ثم قتل نفسه ليعاقبها على ما فعلت برمز الجمال وأيقونة الإخلاص ولم يكن أمره غريبا في أعرافنا فكلنا نحب بعنف وكلنا ضحايا افك وسذاجة.. وكلنا  مازوخيون من نسل عُطيل تنقب أعيننا عن مسبحة ضائعة وتستنشق أنوفنا روائح العابرين بتوجس وريبة.

كان الرئيس مختار ولد داداه  -رحمه الله- رجلا حاذقا رابط الجأش لا يتنازل أبدا عن ذرة من عقله وفطنته لذا كان بعيدا عن كل صخب لا تحركه المشاعر ولا تقوده الانطباعات وله من الفضائل والمحامد ما يصعب حصره ويستحيل عده لكنه لمن عرفه عن قرب ظل عاشقا لأرض تيرس وأهلها وفيا لحبه  الأكبر إلى أن لاقى وجه ربه.

حبه كان صادقا ومبكرا فقد خيّر فور تخرجه كترجمان للمكان الذي سيبدأ فيه حياته المهنية وكان ذلك في نهاية الثلاثينيات من القرن الماضي فاختار دون تردد قلعة ترينكيه أو ما يعرف الآن ببير أم قرين وتفاجأ الحاكم الفرنسي كثيرا من غرابة الاختيار فقد صنف كل الناس المنصب عقابيا ووصفوه بالسجن البعيد وتعجبوا من أمر الفتى المتفوق والقادم من أهل حظوة ونفوذ تجعله يستحق منصبا أكثر رحمة.

أصر مختار على المنفى النائي و علل  في مذكراته قراره الغريب   بحبه العارم لتلك الهالة التي تحيط بأهل تيرس وما حيك حول استبسالهم الملحمي في مقاومة الغزو الفرنسي من أساطير.. كأنه أحبهم سماعا وقديما قيل الأذنُ يا قوم تعشق قبل العين أحيانا !

أمضي الرجل عقدا من الزمان متنقلا بين قلعة ترينكيه وقلعة غورو وزار كثيرا  اميجيك وبير انزران واستجم في فيلا سيسنروس وعيون الساقية والطنطان وواد نون وتعرف على الناس وانسجم معهم في حب وغرام.

وهذا أمر طبيعي  ومألوف فمن منا يستطيع معرفة الرقيبات وشكم نفسه عن السقوط في فخ الهيام الأبدي بهم؟

لا شيء أبهى من صباحة بناتهم.. ولا توجد موسيقى على وجه البسيطة أرقى من أناشيدهن وهي تتماهى والليالي المقمرات على ثرى تيرس هناك  بعيدا حيث تُمطر السماء شتاءً وحيث يبتسم النوار على مشارف الجلتة الجذلى منذ القدم.

في داخل مختار ولد داداه رقدت قصائد لم تعرف طريقها للكتابة والنشر وكلها من نوع جزل تحاكي ولد الطلبة وتتغني بتلك الأرض والنجل في عيون أهلها.. وقصته الطويلة والمعقدة مع الصحراء طمرت عن العيان قصيدة شعر عصماء ورائعة لم تعرف بعد.

غادر تيرس والدمع منسكب.. وغادر موريتانيا كلها.. بعد أن رسم قصورا من رمل واستدعى مثلي ومثل عُطيل من قبلي حظوظ المخاطرة وتلمس القوة من منديل أسواني لست أدري كيف حصل عليه.

عاد  بعد عقد من الزمان أستاذا كليّ الاحترام ورئيسا فخيما لجمهورية أراد لها أن تولد من رملنا وتحت سمائنا.. دولةً بكراً تجمع شملنا أعرابا وأزناجا بعد طول فرقة وطائش تفريق.

خلال رئاسته الطويلة والعنيدة أقام الدنيا وأقعدها باحثا عن تيرس الغربية وعن وصالها وتجشم في ذلك ما لم يتجشمه أحد وحين اقتربت ساعة الوصل ضاع المنديل وأطرقت ديدمونة حزنا ولم يستطع أحد أن يُفهمه أن الأمر قضي بليل وأن ليس له فيه من سبيل.

ككل عاشق موريتاني استبدت به الظنون وراحت رسل  الحب تتحول إلى قوة احتلال وناب التجافي عن طيب اللقاء وانبت ما كان موصولا بأيدينا.. ونشبت الحرب وهو يتحدث في كل مناسبة عن العناق الأبدي بين حبيبين فرقهما الاحتلال الأوروبي وصال في هيامه الصحراوي وجال وديدمونة تنزف دما وحين أدرك عمق الجراح راح كعطيل ينتقم من نفسه ويعاقبها.

لذا لم يبالي بما أخبره به صديقه المغربي من أنباء انقلاب وشيك خابرهم أحمد ولد الوافي بخفاياه ولم يكترث برسالة موبوتو سيسيكو حول مؤامرة الأخوين ولد عبد الله وعندما التحق به أحمد ولد الزين ليخطره على عجل هامسا أن فلانا وعلانا –وكلهم أصدقاء ولد الزين – حسموا أمرهم وقرروا خلعه في الصباح لم يحرك ساكنا بل ابتسم ولاذ بصمت مترفع وغريب.

في الصباح جاء عسكر أجلاف واقتادوه إلى السجن واكتشفوا بدهشة وذهول انه كان ينتظرهم منذ زمن طويل وأنهم تأخروا كثيرا وأنهم بالنسبة له مجرد خناجر يريدها في صدره كما أراد عُطيل لنفسه أن يرحل.

لم يكن ولد داداه عطيليا وحده فلقد كان ولد هيدالة هو الآخر عطيلا بطريقته, هنالك شيء ديدموني في علاقته بالناس, لذا يصعب فهم تناقضه  بسهولة ومن العَصي وجود تفسير آخر لمشاعره ووساوسه وتقلباته.

نتذكر عنه على سبيل المثال لا الحصر كيف أظهر للرئيس مختار وهو في سجن ولاتة من الحب والتقدير ما لم يلزمه عليه أحد وقد كان رئيسا للأركان وليس هناك سبب وجيه واحد للنفاق والمداهنة.. في حديثه معه كان وديا يلتمس المشورة وحنونا يعدُ دون طلب بالعمل على الإفراج عنه بل ويقترح طرقا عجيبة للاستفادة من خبرته !

لقد كان ولد داداه صديقا لوالده وقد كان مراعيا له في دراسته واختاره مرافقا وائتمنه على نفسه وكان يزجر من اعتبروه مواليا للبوليساريو..على الأقل من الناحية الشخصية لم يكن هناك نزاع بل كان هناك حب وود.

الغريب في أمر هيدالة أنه ما إن آل إليه الأمر حتى حاول التملص من وعد سلفه المرحوم احمد ولد بوسيف بإطلاق سراح السجين الولاتي المريض.. ولولا دهاء السفير الفرنسي وتعاون وزير الخارجية أحمدو ولد عبد الله وتلاعبهم  بالبدوي لما قبل فكرة مغادرة ولد داداه البلاد للعلاج. لقد ظن في سذاجة أن مذكرة دبلوماسية تلتزم فيها الجمهورية الفرنسية بإعادته إلى السجن  كافية للقبض عليه في أي وقت ثم أدرك أن الوثيقة تبخرت وربما أعادها ولد عبد الله لأصدقائه الفرنسيين فاستشاط غضبا وأودع ولد عبد الله في السجن مكان الرئيس الغائب وأرسل خلفه ولد الزامل لتحذير جيسكار ديستان من مغبة التلاعب به وقال له بالحرف إن موريتانيا تشترط إعادة الرئيس السابق إليها وفورا.. بطبيعة الحال أضحكت نبرة ولد الزامل الرئيس جيسكار كثيرا ووقف متسائلا وهو يقول لنفسه منذ متى صارت فرنسا عنبرا من عنابر السجون الموريتانية؟

لم يتردد ولد هيدالة في محاكمة الرئيس الأسبق – غيابيا – والحكم عليه بالسجن المؤبد والأشغال الشاقة ومطاردته في كل مكان واضطهاد ذويه ومقربيه و طمس ذكراه في كتب التاريخ الرسمية وأسرف في ذلك كثيرا.. وكثيرا.

ذات يوم  ضاع المنديل الأسواني وهو في الربى الخضر المحيطة ببرك الغماد فقرر العودة من بوجمبورة مفضلا السجن على البعد والنفي وكأنه في مازوخية عطيلية جديدة يريد معاقبة نفسه.. والأغرب من كل ما سلف أني لمحته في المطار مستقبلا مختار ولد داداه ومشاعر الفرح تعتريه في احتفالية جلية بنهاية المنفى الطويل والمؤلم الذي كابده الرئيس الراحل وقد كان ولد هيدالة أول من أجبره عليه !

لن أنسى ما حييت دموع الحزن في عينيه الصغيرتين اللماحتين ساعة الصلاة على جثمان الرئيس المؤسس وأخالني قرأت يومها شيئا من الصدق في وجهه  الحزين.

لم يخلو معاوية ولد الطايع من عاطفة جامحة رغم ما عرف عنه من برود مشاعر واقتصاد في الكلام والحركة. الجميع يتذكر كيف انقلبت مشاعره من الود والمحبة لأشقائنا البولار إلى الكراهية والضغينة.. الكل يتذكر كيف استبدت به الظنون وتلاعبت به الشكوك ودفعته إلى ارتكاب المظالم الكبرى كالخنق  حتى الموت والردم الجماعي وهي كلها تعابير وحشية نابعة من حب موءود وخيبة مفاجئة وغيرة مجنونة.. وتذكروا معي كيف كان يصنفه أهله قبل ذلك بسنوات كواحد من أقل الضباط “التكارير” كراهية للعرب “المور”.

قد يجد المتتبع  الفَطن في أمر معاوية شيئا من عطيلية دفينة وان كنت أجده أقرب الناس إلى شخص مكبث ذلك النبيل الاسكوتلندي الذي صار ملكا بدعم الساحرات الثلاث ومكائد زوجته وبصدفة مباغتة اندفع إلى الجرأة  وسرقة عرش لم يكن أحد يصدق أنه يحلم باعتلائه.. وقام بكل شيء ليبقى فيه إلى الأبد.. لكن ماتت العقيلة  وظل شبحهها يلاحقه وفقد مُلكه بعقد ونيف بعدها باكيا كالنساء.. وذاق مما جرع الناس وأراح واستراح.

لنتقدم مع الشخوص الشكسبيرية  سريعا.. فهي تلائمنا تماما وتتطابق مع أشخاص المسرحية الموريتانية الطويلة والمفزعة ولنتقدم أيضا في المقارنة والإسقاط فسنصل وبشكل حتمي ومذهل إلى ما نعيشه الآن وسنجد أنفسنا  أمام كوميديا مرة وعظيمة يحتكرها شيلوك المرابي وتاجر البندقية الجشع الذي أغرق  في شُباك ديونه كل ساذج وغَفل وحَجر على كل سفيه وأبعد كل متبصر مشترطا لقضاء قروضه رطلا من اللحم البشري من كل مَدين.. ولم يصدقه بعض الناس  بل اعتبروا الأمر هزليا ووقعوا العقود مع المرابي وحين عجزوا عن فوائده المتراكمة شَحَذ سكاكينه وبدأ عمليات القطع الأليمة.

بعبارة أخرى أكثر وضوحا وبساطة قد أسدى ولد عبد العزيز خدمات كبيرة لموريتانيا وأهمها على الإطلاق إنهاء مسرحية مكبث المملة وساحراته المخيفات لكنه لم يكفيه من العوض التهام كل أسماك البحر ولم ترضيه معادن الشمال وكنوزه ولم تشبعه حقول الجنوب.. شهية شيلوك تاجر البندقية ومرابيها بلا حدود.

مأساتنا هي أن شيلوكنا نحن ماكر ونهم, صعب المراس, زعاق الطباع وفي حوزته وثائق ومستندات رسمية تعطيه ملكية قانونية لرطل كامل من لحم كل موريتاني وبؤبؤ عينيه  ونتشة من أنفه وحلمتيه.

الهي إليك  وحدك المشتكى من غلبة الدين الشيلوكي ومن قهر الرجال ؟

لما جن الليل تطاول المد رويدا رويدا.. وأغرق الموج قصر الرمل الذي جاهدت في بناءه   أيما مجاهدة.. فأخذت أُكملُ أورادي وأتلمس المنديل وأقلبه بين يدي وأصلى ومعي مصائر أمة ضارعة تبحث  في تلهف عن الخلاص وتتوق لعتق رقابها من ديون شيلوك المستحيلة القضاء.

أدركت أن في أحزاننا لوعة امة مسالمة يعتصرها الألم فردا فردا  حتى صارت تشتاق لكل عُطيل وتشتاق لكل مكبث.. وتترقب قدوم فارس  سيفتر عنه ثغر السماء  وقد تقذفه على شواطئنا سفائن البحر أو ربما تحمله إلينا السافيات من ريح البر.

حملني الحزن في خلوتي إلى الأعالي وغرقت في النجوى حين وقفت متبتلا أصلي على النبي الخاتم  الهادي إلى الحق بالحق  الواهب أسراره للعارفين – ومن أحسن التعريض ذاك التختم – المُجتبى إلى حضرته الصالحين من أتباعه فصلوا عليه معي وختموا وسلموا تسليما.

المصدر.

أسنيم و عمالها: مأساة تتفاقم/ عبدالمطلب عبدالودود

يتطلع عمال الشركة الوطنية للصناعة والمناجم هذه الأيام إلى تحقيق الكثير من الوعود التي أعطى المدير الحالي، محمد ولد أداعا، منذ توليه إدارة الشركة والتي لم يتحقق منها أي شيئ حتى الآن حسب المراقبين، ومن بين أهم تلك الوُعُود التي تشغل أذهان العمال في مدينة أزويرات في الوقت الراهن ويُعلقون الكثير من الآمال على تحقيقه هو الإلتزام الذي أعطت أسنيم لعمالها في مطلع العام المُنصرم بصرف ثلاث رواتب (من أصل خمسة طالب بها العمال ضمن قائمة مطالب أخرى) لكل عامل بشرط أن يُضاعفوا جهودهم حتى تتمكن الشركة من تصدير إثنى عشر مليون طن من الحديد الخام وهو ما تم بالفعل.

شحذ ذلك الوعد هِمَمَ العمال وحطموا رقما قياسيا في نهاية شهر ديسمبر الماضي وتمكنت شركة أسنيم من تصدير 13 مليون وأربعين طن من الحديد الخام خلال عام واحد 2012 ـ 2013 وهو مافاق تصورات الشركة تم نقلها عبر القطارات من مناجم أزويرات إلى ميناء الشركة بمدينة أنواذيب ومن هناك إلى الأسواق العالمية. هذه هي المرة الأولى التي وصلت فيها صادرات الشركة إلى هذا الرقم منذ تأسيسها قبل أكثر من نصف قرن وتتطلع إلى أن تصل صادراتها إلى 25 خمسة وعشرون مليون طن سنويا خلال السنوات القادمة ومع كل هذه الأرقام الضخمة، لم تستطع شركتنا الوطنية حتى هذه اللحظة توفير ظروف عيش كريم لعمالها الذين مازال معظمهم ”جرنالية” عمال غير دائمين تعيش أسرهم في ظروف مُزْرية.

كان من المتوقع أن يقوم المدير العام للشركة ولد أُدَاعَا بزيارة لمدينة أزويرات قبل ثلاثة أيام حيث اجتمع العمال أمام مباني إدارة الشركة لإستقباله علهم يسمعون منه أخبارا سارة لكن ذلك لم يحصُل لأن المدير لم يأتي وهو ما أثار موجة غضب عارمة بين أوساط العمال المُنهكين والمُحبطين من الوعود الكاذبة وسط شائعات تقول بتسرب معلومات سرية تقول بان  المدير ولد أُدَاعَا لم يفي بالوعد الذي قطع على نفسه بصرف ثلاث رواتب لكل واحد منهم بعد أن حققت أسنيم أرباحا طائلة في العام المنصرم وحطمت صادراتها رقما قياسيا بفضل تصميم وعمل العمال الدؤوب.

هناك أخبار يتم تداولها بين أوساط العمال تقول أنه في حالة ثَبُتَ أن مدير أسنيم ولد أُدَاعَا قد تراجع عن إلتزامه للعمال بصرف تلك الرواتب، فلن يمُر ذلك التصرف بسلام وقد بدأ التخطيط لإضراب عام في كافة مناجم الحديد في أزويرات لهدف الضغط على إدارة أسنيم لتفي بكافة وعودها للعمال وعدم التلاعب بهم مستقبلا ولا يُخفي العمال في هذه المدينة أمتعاضهم واستياءهم من الحفلة التي نظمت شركة أسنيم في أزويرات قبل أسابيع وجَلبت لإنعاشها عشرات الفنانين من العاصمة أنواكشوط بمناسبة نجاحها في تحقيق أهدافها ووصول صادراتها إلى هذا المستوى الهائل و”بذَّرَتْ” ـ حسب تعبير العمال ـ عشرات الملايين في حفلات وأماسي عبثية في الوقت الذي يُعاني فيه من صنعوا ذلك النجاح من عمال فقراء من تدني الأجور في ظل الإرتفاع الجنوني للأسعار وانعدام التغطية الصحية وانتشار الأمراض الناجمة عن الــــــســِـــيـــلـــــِـيــــكـــُوزْ بالإضافة إلى المماطلة والتهميش.

بالمناسبة، الــــــســِـــيـــلـــــِـيــــكـــُوزْ هو مرض يعاني منه معظم عمال شركة أسنيم ناجم عن إستنشاق غبار المعدن المنبعث من المنشئات والحفر وعمليات التفجير وحتى القطارات العتيقة التي تنقل الحديد الخام والجارفات والناقلات العملاقة في المناجم المحيطة بمدينة أزويرات وأفديرك وقد ظلت الشركة تُعتم على موضوع الــــــســِـــيـــلـــــِـيــــكـــُوزْ والأمراض الناجمة عنه والتي حصدت أرواح العديد من العمال البسطاء في السنوات الأخيرة الذين تفرض طبيعة عملهم التعرض للغبار بشكل مُكثف.

من بين المطالب التي يطالب بها العمال أن لا يتم إعطاء الزيادات والتشجيعات المعروفة بـــ ”بونيسْ” في شهري يناير وشهر إبريل حسب الراتب لأن ذلك إجحاف بحق العمال العاديين الذين يمثلون العمود الفقري للإنتاج والذين يتعرضون للمخاطر على مدار الساعة ورواتبهم زهيدة وربط الإستفادة برواتبهم المتدنية كما تفعل الشركة في كل مرة هو ظلم وغبن وغلط في حق شريحة العمال العاديين ولا يستفيد منه في العادة إلا الكوادر ”عديمي الفائدة” الذين يقضون أوقاتا ممتعة في المكاتب تحت المكيفات وبعضم ينام في مكتبه حتى ينتهي وقت الدوام ولا يقدمون أي خدمة للشركة ولا للوطن.

تجدر الإشارة إلى أن هناك مكاتب لنقابات كثيرة في مدينة أزويرات وتنتمي غالبية العمال لنقابتين: CGTM ”الكونفدرالية العامة لعمال موريتانيا” و UTM “إتحاد عمال موريتانيا” وتسيطر أسنيم على مناديب هذه النقابات من خلال تقديم رشاوى لهم على شكل قروض مُيسرة بالملايين وتزودهم بالمُعدات وتضع المنازل التابعة للشركة تحت تصرفهم؛ لذلك أصبح مناديب النقابات العمالية الكبيرة عديمي الفائدة ومُتمالئين مع أسنيم للإستحواذ على حقوق العمال.

يحدث كل هذا الظلم والإستغلال البشع لقضايا و حقوق الإنسان و كافة أنواع الإنتهاكات في بلد يتباهى بـ ”إسلاميته ” وتحت أنظار الحكومات التي تتباهى هي الأخرى بــ ”وطنيتها وأحكامها الرشيدة ومحاربتها للفساد ومن قِبَلِ من؟ شركتنا الوطنية للصناعة والمناجم، أسنيم ” ولا تُحرك الدولة ساكنا ساكنا لنجدة المواطن العامل الفقير المُحْبَط الذي تتآمر عليه النقابات العُمالية التي من المُفترض أن تكون إلى جانبه لإسترجاع حقوقه المُنتزعة!  فبعد كل هذا نتحدث عن ظلم الشركات الأجنبية وإنتهاكاتها لحقوق المواطنين الموريتانيين!؟ إذا كانت الدولة والشركات الوطنية تحتقر المواطنين، فكيف ستحترم حقوقهم الشركات الأجنبية؟!

عبدالمطلب عبدالودود.

نظام العسكر… ديون تتحملها الأجيال القادمة ! / الحسين محمد عمر

الحسين محمد عمرليس غريبا أن نسمع كل يوم المصادقة على العديد من الاتفاقيات الاقتصادية  الفارغة و اصدار الكثير من المراسيم القانونية القاضية بمنح تراخيص تنقيب لشركات أجنبية في الأراضي الموريتانية المترامية الأطراف، ليس غريبا على نظام فاسد مفسد أن يسعى دوما لاستجلاب الشركات متعددة

  الجنسيات من أجل مصالح ذاتية مغلفة بداوي وطنية ، فكم عرفت موريتانيا من الاتفاقيات والمراسيم في مجال التنقيب!، لكن يصدق المثل القائل تمخض الجبل فولد فأرا، ها هي الشركات الأجنية تعمل وتنتج وتصدر لكن نصيب موريتانيا هو السموم و الأمراض الكثيرة الناجمة عن تلك السموم، وأخيرا يكون الضحايا هم المواطنون، فكيف تفصل عمالا شغلتهم كل هذه الفترة  بحجة عدم الخبرة، أليست هذه السنوات الطوال كفيلة باكتسابهم لتلك الخبرات؟ ، ثم أليس غريبا أن تفصلهم بحجة الوضع الدولي والمشاكل الاقتصادية في حين تجلب عمالا أجانب وتشغلهم؟ ، ألا يجب أن تتدخل الدولة للمحافظة على العمالة الوطنية ؟ أليس هذا دورها؟، لكن هيهات تلك هي المصالح الضيقة لرجال الأعمال وغياب الروح الوطنية والنظرة الاستشرافية ، ذلك هو ما تعانيه موريتانيا بفعل أنظمة دكتاتورية انقلابية تحكمها منذ 1978 إلى اليوم ، لا بل إن الوضع اليوم أمر و أقسى ، فالنظام رفع الدعم عن المواد الأساسية (النفط مثلا)  وتركها في تصرف رجال أعمال خونة همهم الوحيد هو الربح ولا شيء غير الربح، ليذهب العديد من العمال كما نظرائهم في الشركات المعدنية الى البطالة وما أدريك ما البطالة؟ فكل هذه المآسي والإهانات التي يتعرض لها المواطنون ، كل هذ التدهور الاقتصادي المزمن ، كل الصفقات الاقتصادية المشبوهة ، كل عمليات الفساد الملاحظة بشكل فاضح لن تكون الا من صنع نظام واحد هو النظام الانقلابي الذي زور كل شيء ، زور معدلات النمو وزور الارقام التي تقدم للمؤسسات الدولية من اجل الحصول على المزيد من الاموال لتذهب الى خزائنهم وفي النهاية الشعب الذي استجدى النظام باسمه يبقى هو الضحية الأولى ولا يبدو أن هناك أفق لتحقيق العدالة الاقتصادية والاجتماعية  للاسف الشديد.

قبل أيام تداولت وسائل الإعلام خبر إلغاء البنك الاسلامي للتنمية لتمويل كان يعتزم تقديمه لتمويل توسيع محطة طاقة فى نواكشوط  ليتراجع بعد أن أخطرته منظمة (شربا) المتخصصة في مكافحة الفساد بعدم شفافية الصفقة المبرمة بين (صوملك) والشركة الفنلندية (ورتسيلا) ، وليست هذه المرة الأولي لوجود فساد في الصفقات وعلى ما يبدو لن تكون الأخيرة ، فمنذ فترة تم الكشف عن صفقة فساد أخرى فحواها اقتناء تسعة (9) مولدات لتزويد نوكشوط بالكهرباء لكن تلك المولدات المقتناة كانت مستعملة كلها ولم يستطع العمل منها الا 4 من أصل 9 ، وللتذكير فإن هذه المولدات تم استيرادها من أجل  محطة “الورف” بقيمة 60 مليون دولار  منحت بالتراضى من الحكومة الحالية لصالح شركة أجنبية وأحد أقارب الرئيس الموريتاني . وتبين أن المولدات المستوردة من دولة الإمارات العربية المتحدة كانت مستعملة وسبق أن تم رفضها من قبل إحدى الدول الإفريقية. زد على ذلك أنه عند وقوع أي خلل في المحطة يتعين استدعاء خبراء اجانب من الاتحاد الأوربى مقابل مبالغ مالية كبيرة. وتصل أعمال التصليح في بعض الأحيان إلى شهر كامل مما كبد الشركة خسائر باهظة، هذ مثال بسيط على عظم الخسائر التي تتكبدها الدولة الموريتانية في ظل هذه الانظمة الانقلابية المفسدة، فكيف يسكت الخبراء الاقتصاديون على هكذا اعمال ستتحملها الاجيال القادمة دونما أي ذنب؟.

ما ذكر أعلاه نمط من الفساد الاقتصادي والمالي والمحسوبية وكل أنواع الفساد الذي يتخبط فيه النظام الحالي والأنظمة العسكرية قبله، أما النمظ الثاني فيتمثل في تزوير الأرقام التي يقدمها النظام الى الممولين الدوليين بهدف الحصول على المزيد من التمويل الذي يذهب بطبيعة الحال إلى جيوب المتنفذين، وإلا كيف يمكن تفسير الوضع الاقتصادي الهش ومديونية هائلة جدا ترزح تحتها الدولة الموريتانية؟ وسيعاني منها الجيل القادم والذي يليه والذي يلي ذلك كما يتحمل جيلنا تماما ديونا روكمت علينا بفعل شرذمة من العسكريين الساعين الى المصلحة الذاتية فقط، فقبل  أيام ذكر كاتب فرنسي في مؤلف جديد بعنوان  ” بابا هولاند في مالي”  أن النظام الموريتاني الحالي يقوم بنهب المساعدات الأجنبية عن طريق البنك المركزي وإخفاء أثرها، وهو ما يشارك فيه الزين ولد زيدان المحافظ السابق للبنك المركزي الموريتاني حيث حث النظام الموريتاني على تقديم أرقام مغلوطة  للممولين الدوليين، وقد ذكر مؤلف كتاب ” الاقتصادي الموريتاني” معلومات مشابهة إذ قال أن أحد الوزراء السابقين صرح له أنهم كانوا يقدمون أرقاما مزيفة للممولين بغرض الحصول على التمويل  الدولي .

ما تعانيه موريتانيا من فساد جاء نتيجة التحالف المشؤوم بين رجال الأعمال والسلطة والضحية للأسف هم المواطنون الذي لا حول لهم ولا قوة ، آخر مثال على ذلك هو ميناء نواكشوط  الذي يشهد حراكا ثوريا متواصلا ، فأحد أبرز رجال الاعمال المستوردين للمواد الغذائية يحاصرهم ويجوعهم والسلطات المعنية لا تحرك ساكنا في حين أن نفس الرجل كان قد وقع برعاية النظام اتفاقا مع هؤلاء العمال يبدو أنه لا يريد الإلتزام به .

من ناحية أخرى لم تنبس المعارضة ببنت شفة،  فقط  أصدرت بيانا ومطالبات خجولة لإنصاف هؤلاء العمال كما أن فضائح الفساد التي تظهر بين الفينة والأخرى لم تحظ هي الأخرى بالإهتمام اللازم من طرف المعارضة فقط مطالبات بإجراء تحقيقات لا تقدم ولا تؤخر ومحسومة النتائج إن حصلت ، في حين المطلوب منها التحرك بالبحث عن حقائق هذه الأمور ورفع دعاوي إن لزم الأمر ، حتى تنكشف حقيقة هذا النظام  الذي يرتكز على بعده القبلي و شراء ذمم كل من تخول له نفسه أن ينطق حرفا في غير صالحه. فيا ترى هل يكفي إصدار البيانات والمؤتمرات الصحفية فقط؟

إن نظاما عسكريا متوارثا وإن بطريقة غير سلمية لن يألو جهدا في سبيل الحفاظ على بقاءه مهما كلف الأمر، أما السعي لفضح معاملاته ورشاويه وصفقاته الفاسدة فيحتاج إلى جهود كبيرة من الجميع ، لأن المسألة تتعلق بمصير دولة محتكرة من قبل مجموعة مفسدة تصرِّفها كيف تشاء للأسف الشديد.

المصدر.

التقليديون يسمونها تعكير صفو القصيدة الكلاسيكية

الحداثة الموريتانية… والسلفية الشعرية
السؤال عن حداثة الشعر في «بلد المليون شاعر» هو سؤال كبير؛ فتقييم تجربة الشعر الموريتاني الحديث مشروع صعب المنال لكثرة العوائق التي تعترض سبيل مبتغيه بسبب قلة الدراسات النقدية الجادة، وصعوبة النشر، وسيطرة النظرة التقليدية على الذائقة الشعرية الموريتانية التي تدفع الكثيرين إلى إنكار تأثير الحداثة على المنجز الشعري الموريتاني، خوفاً من الغياب في مواجهة إنتاج الأسماء الشعرية الشابة الأكثر حداثة.

ولعل خوف الموريتانيين مما يسمونه «تعكير صفو القصيدة الكلاسيكية»، دفعهم إلى تغييب الشعراء الحداثيين. وامتد هذا الخوف ليس فقط إلى صفوف الجمهور، بل أيضاً إلى صفوف النقاد والأكاديميين والشعراء أنفسهم الذين رفضوا تقويم المدون القليل والمنشور الأقل من التجربة الشعرية الحديثة، ما أدى إلى إحباط الشعراء الحداثيين من جهة، وإجهاض انطلاقة التيار الحداثي في «بلد المليون شاعر».

إشكالية التلقي

ترتبط محاولة استكشاف أثر فعل الحداثة على الشعر الموريتاني، سواء من حيث المفهوم أو النشأة أو التدرج، بدراسة إشكالية التلقي الشعري في مجتمع كالمجتمع الموريتاني الذي تسيطر عليه الذائقة الفنية التقليدية التي تؤثر سلباً على تطور الشعر الموريتاني الحديث وعلى الجهود التجديدية التي يقودها الشعراء الحداثيون.
وإضافة إلى إشكالات التلقي، ترتبط دراسة تجربة الحداثة في الشعر الموريتاني بدراسة تأثير المرجعية التراثية على الشعر الموريتاني المعاصر، حيث إن بعضه يبدو خالياً من أي حداثة إلا بالمفهوم الزمني البحت، وتتفاوت مستويات الحداثة في الشعر الموريتاني تبعاً لتأثر الشعراء بالتراث. وبقدر ما تكون مواهبهم وخلفياتهم الثقافية واتصافهم بقيم الحداثة الفنية قادرة على تحديث الشعر، يكون إنتاجهم حياً وحديثاً وقادراً على الاتصال بقضايا المجتمع، ومنفتحاً على الذخيرة الشعرية العربية الحديثة.

ورغم أن الحداثة بدأت متأخرة في موريتانيا وفهمها البعض فهماً خاطئاً، إلا أن القصيدة الحديثة أصبحت تفصح عن نفسها في بلد المليون شاعر بعد أن كانت تجتذب الأنظار باستحياء، مستفيدة من التطور الثقافي والفكري، وهو ما دعا الكثيرين إلى القول إن القصيدة الموريتانية مُقبلة على عصر جديد.

الذائقة التقليدية

تتعدد أسباب ودوافع تأخر الحداثة في الشعر الموريتاني؛ سواء تلك المتعلقة بوضعية الشعر والثقافة الموريتانية بصفة عامة أو تلك المرتبطة بالشعر الحديث الذي يبحث عن موطئ قدم في بلد يعاني نقص التدوين وندرة النشر وإهمال المشهد الثقافي.

ويبدو أن لقب «بلد المليون شاعر» كان له تأثير كبير في تغييب التيار الحداثي؛ فمع ما يؤسس لمصداقية هذا اللقب من عشق الموريتانيين للشعر وكثرة تعاطيهم له إنشاء وإنشاداً وتمثلاً واستشهاداً، إلا أن الجمهور لم يعد يرضى إلا بدرر العطاء الشعري، كما أنه يميل بصفة تلقائية إلى القصائد التي تشبه الشعر الجاهلي، وعلى اعتبار أن أغلب القراء ناظمون جيدون للشعر القديم في بلد يطغى عليه طابع البداوة، فإن الذائقة الشعرية لا تزال تقليدية. إضافة إلى أن الطبيعة الأخلاقية والاجتماعية والثقافية للمجتمع الموريتاني التي تتسم بالمحافظة، تسببت أيضاً في تأخر وصول الحداثة إلى الثقافة الموريتانية.

ويرى الشاعر الشيخ ولد بلعمش أن عشق الموريتانيين للشعر وكثرة تعاطيهم له وتمسكهم بالقصيدة التقليدية، أخّر وصول الحداثة للشعر الموريتاني، ويضيف: «لا يمكن تفسير تأخر وصول أسلوب في كتابة الحداثة إلا بنقص التفاعل مع الجديد، ولكن ماذا لو لم يكن الجديد مقنعاً للكثيرين؟! الموريتاني بطبعه عاشق للغة السليمة، بل متعصب لها في أكثر الأحيان، وهو ما يتساهل فيه بعض الحداثيين، ثم إن البيئة والتطور الاجتماعي ليسا شبيهين بالأجواء التي احتضنت سطوع نجم الحداثة في الأقطار العربية. ناهيك عن أن اقتناع العقل الجمعي بلون جديد يتطلب حالة إبداع خارقة، وهو ما لم يحصل بشكل ملحوظ في الحال الموريتانية. مع ذلك، ورغم هذه المعيقات كلها، بدأت الذائقة الموريتانية مؤخراً تتقبل الجديد؛ فقد كسرت أسوار النأي في عصر الإنترنت، بيد أن الحداثة في الشعر العمودي تظل أكثر قبولاً وإقناعاً للجمهور الموريتاني».

وعن تعامل الشعراء الموريتانيين مع الأساليب والتيارات الشعرية الحديثة، يقول الشاعر: «لم يكتو الموريتانيون بنار الحداثة إلا متأخرين، وإن ظل ذلك التأثر محدود النطاق والمستوى، ففي حين تعاطى الكثيرون بحذر مع الأنماط الجديدة لما لاقته من رفض التقليديين المسيطرين على الساحة الأدبية، نجد أن قصائد كتبت في الستينيات أكثر حداثة من كتابات بعض شعرائنا الشباب، ويمكن القول إن الحداثة بدأت تكسب الساحة، وظهر في الساحة شعراء شباب عبروا إلى قلب الحداثة شكلاً وأسلوباً وقضية».

ويشير بلعمش إلى أن القصيدة الحرة استقبلت في الأوساط الأدبية الموريتانية في البدايات بالفتور والسخرية، وكان اعتراض الجمهور والنخبة حاداً، ويضيف: «ربما كانوا معذورين حينها، فقصيدة التفعيلة حصيلة تفاعل مع الآخر وإشكالات النص والتفسير لماهية الشعر، الأمر الذي لم يمروا به في قطرنا النائي».

ويؤكد أن الشعر الموريتاني قادر على مواكبة المتغيرات في الواقع الحياتي، ويقول: «كلما تطورت الحياة أو تغير الواقع عدَّلت القصيدة نوتتها الموسيقية روحاً وترميزاً لتلائم نفسية المغني الجديد، وهذا ما نلمسه في تطور النتاج الأدبي، تبعاً للتغييرات العميقة في الشخصية الموريتانية التي نعيشها، وهي سمة تنسحب على جميع الأقطار العربية، بل المجتمع الإنساني بشكل عام».

تقطير القصيدة الحداثية

ظهرت بوادر تأثير التيار الحداثي في الشعر الموريتاني مع جيل الثمانينيات حين برز عدد من الشعراء المميزين الذين كانوا يكتبون بأساليب مختلفة ويتبعون تيارات شعرية متعددة، وأجهضت هذه الانطلاقة حين ظهر من جديد نوع من التقليد للشعر الجاهلي.

ويتخذ إحياء القصيدة القديمة في موريتانيا أشكالاً عدة، فلا يزال بعض شعراء موريتانيا يقلدون الشعر الجاهلي، كما أن الإقبال على أشكال الممارسات النظمية التي دأب الموريتانيون عليها لغايات تعبدية كالتوسل والابتهال ولحفظ الأشعار، يسهم في حصر التجربة الشعرية الموريتانية في زاوية التقليد.

ويرجع الفضل في إحياء القصيدة القديمة إلى بقايا روافد التعليم المحظري الأصلي؛ فمعظم شعراء موريتانيا هم خريجو «المحاظر» (المدارس التقليدية التي تشجع طلابها على حفظ الشعر القديم ونظم الأشعار على شاكلته كوسيلة لتسهيل حفظ المعارف وتذكرها)، إضافة إلى البيئة المحلية الشبيهة في روحها ومفرداتها بالبيئة القديمة؛ فمعظم الموريتانيين لا يزالون يركبون الجمال ويبرون النبال ويسكنون تحت الخيام ويبحثون عن الماء والمرعى ويتفاخرون بنسبهم القبلي. كل هذه العوائق روضت الذائقة المحلية على الشواهد الشعرية القديمة وكرّست العمود الشعري مسلكاً أوحد في قول الشعر، ويرى الناقد حبيب الله ولد أحمد، أن القصيدة الموريتانية «ولدت أصيلة تضرب بجذورها في الشعر العربي القديم، ووقف بعض أساطنتها أمام الحداثة، لأنهم لم يفهموها نصاً ولا روحاً، واعتبروها محاولة لمسخ الشعر العربي، وربطوها بالظواهر الاستعمارية الوافدة، ولم يتكلفوا عناء النظر فيها من حيث الأساليب والمضامين حتى أنهم أطلقوا على الشعر الحر، شعر التفعيلة، عبارتهم السائرة، وهي أنه شعر حر لأنه متحرر من الوزن والقافية والمعنى والمبنى، وكان حكمهم على الحداثة مبنياً على سلفيتهم الشعرية وخلفيتهم المحظرية التي لا ترى بديلاً للقديم؛ فهو الأنقى والأطهر، وما سواه مجرد محاولة لتلويث الشعر العربي وإلباسه لبوساً أجنبياً.. خاصة أن الحداثة قد لا تكون أكثر أحياناً من السير النمطي في فلك ثقافات وافدة واستنساخ تجاربها». ويشير إلى أن معظم الموريتانيين يخشون من تعكير صفو القصيدة الكلاسيكية، ويقول: «بطبيعة الحال، فإن شكل ومضمون القصيدة الحداثية ينسف تقريباً شكل ومضمون القصيدة الكلاسيكية، وصراع الشكل والمضمون ليس جديداً، ويتجلى في تمسك الحداثيين غالباً بالمضمون على حساب الشكل، وركون الكلاسيكيين إلى الشكل على حساب المضمون. وقد وجدت التيارات التحديثية في القصيدة الموريتانية صعوبة كبيرة في إنضاج أفكارها وتجاربها أمام متلقين مصرين على أن الشعر عمودي أو لا يكون شعراً، واللغة قحة معجمية أو لا تكون، وهو إصرار أنتجته عقود من تداول الشعر العربي القديم والنسج على منواله، وهي عقود بحاجة لبعض الوقت للتخلص من ميراثها ومحاولة زراعة نبتة حداثية من الواضح أنها هنا تفتقر للتربة الصالحة والسماد الضروري».

ويرى ولد أحمد أن احتكاك الشعر الموريتاني بالمدارس الشعرية الحديث كان له أثر كبير في إخراج النصوص الشعرية الموريتانية من عباءة الكلاسيكية، ويضيف: «احتك الشعر الموريتاني منذ خمسينيات القرن العشرين بنظيره في الوطن العربي، خاصة الشعر المصري والعراقي والسوري، وهذه مدارس شعرية حارة حملت تجديداً قوياً في البنية والشكل والمضمون، خاصة مع بروز أسماء كبيرة وجدت أشعارها صدى قوياً لدى جيل المتعلمين الموريتانيين آنذاك، ومنها: نزار قبانى وعمر أبو ريشة وأحمد شوقي والجواهري ومظفر النواب وأمل دنقل وصلاح عبد الصبور ونازك الملائكة والبياتى وغيرهم… وكان لذلك الاحتكاك أثر كبير في إخراج النصوص الشعرية الموريتانية من عباءة الكلاسيكية لتظهر نصوص قوية من حيث الشكل والمضمون، حملت في طياتها رسائل جديدة تواكب العصر وتتبع قافلة التجديد الشعري في الوطن العربي. وأخلت الناقة والطلل والحبيبة أمكنتها في القصيدة الموريتانية لصالح الطائرة والتطور العلمي والمد القومي ورياح الثورة والانبهار بالآخر ومحاولة وضع المتلقي في صورة ما يجري في العالم من حوله، بلغة مبسطة وأوزان جديدة خفيفة وأساليب اقتضتها ضرورة مواكبة عصر السرعة والقرية الواحدة، ومع ذلك فقد كان لتجارب شعرية في أوروبا وآسيا من الأدب المترجم، دور مهم في استجلاب أنماط الحداثة الشعرية إلى البلاد شكلاً ومضموناً». وعن الأسلوب الأمثل لجعل المتلقي يطمئن إلى الشعر الحديث، يقول الباحث: «إذا كانت إشكالية تطويع المتلقي لإقناعه بالنص أو تطويع النص لإقناع المتلقي به إشكالية معقدة، فالشعر يفرض نفسه على المتلقي وليس العكس. وإن كانت صياغة المضامين الجديدة في قوالب قديمة من أقصر الطرق إلى المتلقي في موريتانيا، وهو متلق استثنائي يختزن دائماً عباءة أبى الطيب وناقة غيلان مي ودوارس ذي الرمة وزفرات أبي الخطاب، وينتشى طرباً لذكر الخيل والليل والخباء والقطيع والطلل، ومن الصعب إقناعه بالابتعاد عن حنينه الوجداني الوراثي للشعر العربي القديم. وإن كان له أن يقتنع بالشعر الحديث، فلابد أن ذلك لن يتم بجرة قلم وما من سبيل إليه إلا عبر «تقطير» القصيدة الحداثية وتحويلها إلى جرعات صغيرة يحقن بها الشعر الموريتاني تدريجياً حتى يقتنع المتلقي بأن الأمر لا يتعلق بحرمانه من القديم بقدر ما يتعلق بتعريفه على الجديد الوافد الذي لا مفر منه».

صراع مع البيئة

مع تنامي التجارب الجديدة، تجاوز الشعر الحديث في موريتانيا نظرة ذمٍّ وتبخيس وتحرر من أسر العمود، لا سيما مع تطور المشهد النقدي وانفتاح الباحثين والأكاديميين على المناهج النقدية الحداثية؛ فبدأت القصيدة المعاصرة تتجاوز أطوار الولادة العسيرة وتفرض نفسها شيئاً فشيئاً مع اتساع دوائر تلقيها. وكان للمراكز الثقافية العربية والبعثات الطلابية دور كبير في تجديد الأفكار والموضوعات والأساليب الشعرية، فاستطاع الشعراء اللحاق بالمنهج الشعري المتعدد الأساليب والانفتاح على المدارس الحديثة، فبرزت أسماء شعرية شابة أكثر حداثة وأقدر على التعاطي مع الساحة الثقافية العربية، فجاء شعرها أفضل شاعرية من شعراء كبار كانوا مجرد إفراز للمدارس التقليدية واستسلموا لاعتراضات المحافظين وللذوق التقليدي لمتلقي الشعر.

ويرى الشاعر أحمد ولد ادومو أن تطور النص الحديث مر بمراحل عدة، واستطاع إثبات جدارته في المدرسة المحافظة رغم أن ارتباط الشاعر الموريتاني الذي يعيش في مجتمع بدوي بالشعر الحديث ظل مشوباً بشيء من التقليد؛ فظهرت «الحداثة الأصيلة» على يد شعراء يكتبون نصوصاً موغلة في الحداثة ويحافظون على القالب الموروث. ويقول: «تجربة الشعر الحديث في موريتانيا ما زالت تحتاج إلى الكثير من القراءة المتأنية، وأعتقد أن هذه القراءة يجب أن تنطلق من ثلاث معطيات رئيسية. أولاً فيما يتعلق بالبداية والتطور، ومعلوم أن القصيدة الحديثة قد بدأت في موريتانيا منذ أواخر ستينيات القرن الماضي، حيث بدأ شعراء من أمثال أحمد ولد عبد القادر ومحمدن ولد الشدو في التأسيس لقصيدة التفعيلة في خروج صريح وواضح وغير متوقع عن النسق الخليلي، غير أن تطور النص الحديث بنظري لم يكن متسارعاً، وإنما كان علينا أن ننتظر ثلاثة عقود تقريباً لنحصل على نص شعري حداثي، خصوصاً مع الجيل الذي كتب الشعر في التسعينيات، وسأذكر الشاعرين: محمد ولد طالب، إدي ولد آدبه كمثال على ذلك. وقد واصل شعراء الألفية الثالثة أمثال جاكتا الشيخ سكئ، وبوبكر ولد المامي، والنبهاني ولد المحبوبي، والشيخ نوح… تأجيج نار القصيدة الحديثة والسفر بها إلى عوالم أكثر اتساعاً وأكثر ملامسة لحركة الشعر الحديث في المشرق العربي». ويضيف أن هذا التطور الذي رفع من شأن النص الشعري الحديث أو الحداثي في البلد ما زال يتعثر ويرتبك ويأخذ مسارات متناقضة حينما نتحدث عن القصيدة النثرية التي لم تحصل على القبول، رغم ممارسة كتابتها من طرف بعض الشعراء، وأذكر منهم إبراهيم ولد عبد الله. ويشير إلى أن التطور الذاتي للشعر المحلي مرتبط بالشاعر نفسه «فالشاعر طبعاً نتاج لتجربته الشخصية المنبثقة حتماً من تجارب وطبيعة المجتمع الذي يعيش فيه والأنظمة التعليمية التي تشكله والقراءات التي تفتح مداركه. وأعتقد أن الشاعر الموريتاني الذي يعيش في مجتمع بدوي رغم أنف المدينة لا يمكن إلا أن يظل ارتباطه بالشعر الحديث مشوباً بلا شك بشيء من التقليد، وأكبر مثال على ذلك أن لدينا شعراء يكتبون نصوصاً موغلة في الحداثة ويحتفظون لها بلبوس عمودي… هذا المعطى ربما يدفعني للحديث عن المقارنة المطروحة للنقاش التي تتمثل في الفروق الشاسعة بين شكل القصيدة وروحها عند الشعراء الموريتانيين المقيمين في الخارج، وأولئك الذين يعيشون في الداخل. سأعطي مثالاً على ذلك بالفرق بين التجربة الشعرية لكل من محمد ولد عبدي وبدي ولد أبنو من جهة، ومحمد الحافظ ولد أحمدو وأبو شجة من جهة أخرى، رغم أنهم جميعاً شعراء كبار».

ولا ينكر الشاعر ولد ادومو دور المتلقي في تطوير القصيدة الموريتانية، ويعتبر أن تغير الذائقة وانسلاخها عن التقليدي له دور قوي في تطوير المتن الشعري الموريتاني، ويقول: «أعتقد جازماً أن المتلقي وإن بدأ يتذوق القصيدة الحديثة إلا أن ولاءه وعشقه ما زال دائماً للحبيب الأول، القصيدة التقليدية بكل أبهتها وحضورها وحرفها الأخير الذي يتكرر دائماً». وعن مناهج وأشكال القصيدة السائدة حالياً في موريتانيا، يقول الشاعر: «فيما مضى كان الشكل السائد للقصيدة في موريتانيا هو القصيدة العمودية المتينة البناء التي تعتمد بالدرجة الأولى على اللغة والسبب والتطويل وتغييب الصورة والرمز، وذلك أمر له ما يبرره كونها كانت تخاطب جمهوراً يتبارى في معرفة اللغة والبحث عن الكلمات النادرة، ويجري خلف اللعب بالكلمات ويميل بصفة تلقائية إلى القصائد التي تشبه الشعر الجاهلي، وشيئاً فشيئاً تطورت القصيدة بوتيرة بطيئة، أما الآن، فإن القصيدة الموريتانية تتميز بتعايش كل أشكالها جنباً إلى جنب وإنْ كانت بعض الأشكال تطغى أحياناً على بقية اللوحة وتستأثر بمساحة أكبر. ربما تكون القصيدة العمودية ذات الروح العصرية هي الأكثر استخداماً، بينما يتواصل مد قصيدة التفعيلة لتحقق انتصارات متتالية وتستميل يوماً بعد يوم اهتمام الشعراء والجمهور، وتبقى القصيدة النثرية الأقل حضوراً في المشهد الشعري المحلي».

ويرى ولد ادومو أن جعل المتلقي يطمئن للشعر الحديث مرتبط باجتهاد الشعراء الحداثيين والتكثيف من الأنشطة والقراءات، ويضيف: «العلاقة بين القصيدة والمتلقي يجب أن تكون مفتوحة دون تدخل مباشر من الشاعر نفسه أو دون فرض وجهة نظره أو وصايته على النص بعد أن يبدعه، لأن مفهوم التبعية هذه بين الشاعر والنص رحلت مع نظرية موت المؤلف؛ غير أن المتلقي بطبعه، خصوصاً في موريتانيا، هو مستهلك لصنف بعينه من شعر فرضته عليه ظروفه الحياتية وطبيعة العيش وعلاقته الضاربة في عمق السنين مع الشعر في صورته التقليدية، لذلك فإن الرفض هو الجواب التلقائي الأول لكل الأصناف وأشكال التعبير المختلفة؛ ولكن الشعر الحديث يمكن أن يسمو بهذه الذائقة شرط أن يدخل في حرب مع القديم، بل من الضروري أن يكسب الرهان بالتقادم وليس بالإلغاء الكلي… كل شاعر في موريتانيا حتى وإنْ كانت تجربته الشعرية مفتوحة على قصيدة النثر إلا أنه عبوره الأول عادة ما يكون عبر جسر الشعر العمودي التقليدي في محاولة لكسب ود الجمهور ولتكوين سمعة حسنة، بعدها يمكنه أن يتحايل على هذا الجمهور بوضع الطعم في القصيدة التقليدية التي من خلالها يمكنه أن يصطاد جمهوراً قد تشكل نسبة صغيرة منه لاحقاً نواة الجمهور المتحمس للشعر الحديث، وهذا ما حدث بالفعل مع أكثر من شاعر وأكثر من جيل وأكثر من تجربة إبداعية».

http://www.alittihad.ae/details.php?id=6615

عندي حلم / السالك ولد الناه

السالك ولد الناه

السالك ولد الناه

قصة مستوحاة من ارض الواقع
عندما عبر مارتن لوثر كنغ عن رغبته في رؤية مستقبل يتعايش فيه البيض و السود بحرية و مساواة و تجانس
صدح عاليا قائلا
I have a dream
عندي حلم
كان حلم كينغ هذا يبعد ألاف المسافات الضوئية عن حلم و حيد لشاب تجرع مرارة البؤس و الحرمان
ذلك الشاب المسكين الكاتم لصراخ تبرزه قسمات و تعابير و جهه المكدود
كان كان حلمه الوحيد و قتها أن يشاهد نفسه و شقيقته معا يستنشقان أهازيج الحرية و لو مرة واحدة في الحياة
و ما تعني الحياة إذا كانت هناك قيودا و شروطا تمارس عليك دون أن تستطيع قول لا – لن اقبل, لا – لن افعل ؟
دون أن تستطيع حتى إنقاذ نفسك من تلك القيود ؟
لله ما اقسي البشر
البداية
في الخامس عشر من شهر ابريل عام ألفان و خمسة عقد بلال أول اجتماع له مع زمرة من عبد قبيلة ” أولاد الطلح” تحت شجرة ظلالها لا تغنى من لهيب الشمس الحارقة شيء
تحدث بلال في البداية عن معاناتهم كعبيد و عن معاملات الأسياد لهم
و قبل اختتام الاجتماع و وجه بلال سؤالا إلى المجموعة عن كيفية تحررهم من جحيم العبودية هذا
كان أول رد من احدهم قائلا ان ما يطمح إليه ما هو الا حلم ميتافيزيقي و ان لا يستحب الخوض فيه
و رد آخر إن الماضي هو الحاضر و إن المستقبل لن يكن إلا امتداد لحاضرنا هذا لذا لا تتعب نفسك لم – لن نتحرر
و أضاف ثالث إن مفارقة الأسياد ذنب لا يغتفر و أن مجرد الخوض في تلك الحوارات العقيمة يعتبر عن الله من كبرى الكبائر حسب قولهم
أما بلال فقد صرخ بصمت في و وجوههم جميعا و غادر المكان
ذات مساء حزين من مسائيات التمرد حسم بلال العبد العشريني قراره النهائي بعد أن أمضى يوما بكامله و هو يفكر في سبل تنجيه و توأمته مسعودة من عذاب أسياده السابقين
يفكر في طريقة أية طريقة تنجيهما من نيران العبودية و الإقصاء و التهميش
كان المسكين و وقتها القادم من رحم العبودية يمضي طول أيامه و هو و هو يلهث و راء الماشية يجمعها عند تشتتها ينام معها أينما حلت و ارتحلت
ضرب بلال بأرجله المفلحة من الصحارى القاحلة و الوديان و الغابات ما لم تضربه سيارات أسياده الفارهة
كان يشاهد شقيقته الأمة مسعودة و هي تمتثل لأوامر أسيادها حينما تشتعل غرائز احدهم الجنسية فيطفئها دون خجل و دون أن تستطيع هي و لا حتى بلال تحريك ساكن
كانت سيدنه لالة فاطمة تناديه قائلة تعال تعال أيها العبد خذ” التأديت” و آتينا حليبنا بسرعة
كانت الأمة مسعودة هي السند الوحيد لجدة اسيادها الطريحة الفراش حيث تعد مأكلها و تمددها ذات اليمين و ذات الشمال على فراشها الوافر و تنظفها من الخارج و من” الداخل ” تجمع كل شيء و حيث الخلاء ترمي كل شيء كل شيء
أما بلال فكان عليه كل ليلة أن يقرن الحمير و عليهما يشد عربة أسياده لجلب الماء العذب من بئر أهل احمد نافع الواقع على بعد كيلومتر من الحاضرة حاضرة أسياده ” أهل سيدي محمود ”
كانت مسعودة هي المعنية الوحيدة بإعداد الطعام بما في ذلك الغداء و العشاء و الفطور
” الوحيدة لملابسهم البدوية النتنة La pressing إضافة إلى هذا كله كانت هي ”
هنا كان الواقع يرخ في وجه الشاب قائلا ترجل تحرك تحرر يا بلال
نعما صار حتما على بلال أن يتصرف تصرف مهما تكن تبعاته
كان بلال متحمسا لفكرة الهروب ليلا لذا قرر أن يكون الهروب ليلا
اخبر مسعودة بالأمر بدت مصدومة في البداية إذ كيف يمكنها العيش دون أسيادها و بعد أن استطاع إقناعها
إلى أين يمكننا الفرار سألته ؟
أجابها في همس هل تعرفين أمباركة جارية ” أهل محمد الحافظ ” لقد هربت إلى مدينة السلام و قد وجدت هناك شبه بشر شبه عالم شبه حياة و شبه منظمات حقوقية دافعت عنها حتى استعادت حريتها و هي الان حرة طليقة
إذا على بركة الله إلى مدينة السلام عسى حريتنا تنتظرنا قالتها المسكينة و هي تربت على أصابع شقيقها المرهق
و لكن كيف كيف يمكننا الفرار و عيون الأسياد تتربص بنا في كل مكان ؟ سالت ثانية و الدموع كالطوفان تنهمر على خديها
اسمعي مهما يكن عليك أن تكوني واثقة من أننا سنجتاز هذه المهمة أنا اعلم مدى خطورة المخاطرة التي نحن بصدد تنفيذها و لكن تأكدي أنها مخاطرة من اجل هدف نبيل إنها الحرية الحرية تستحق المجازفة حتى بالحياة أنا لا ادري ما إن كنا نعيش في الحياة أم الموت
المهم اسمعي لب القول الليلة بكاملها يجب أن تبقين مستيقظة و حينما اشعر أن الكل قد غط في النوم سأحدث لك حنحنة خفيفة و هي إشارة لك بالخروج و لكن بطريقة حذرة
اتفقنا ؟
_ نعم اتفقنا
ذهبت مسعودة كعادتها لتنام في زاويتها لمنزوية في الركن الأمامي المخصص خصيصا لها من المنزل مع سيدتها العجوز و ابنتيها و شقيقهما المراهق عبد الله فيما عاد بلال إلى قفصه الحطبي المتهالك و كان قد أكمل جازيته فاخذ كامل الحيطة بما في ذلك الماء و بضع حفنات من الشعير و الخبز اليابس كان قد ادخرهما متأكدا إنهما كافيتين لأقصى مسافة يسيرانها هربا
هرب قد ينجو صاحبه و قد لا ينجو و مسافة قد تطول و قد تقصر
و من يدري الله الوحيد الذي يعلم ما كان يخبئه المستقبل القريب يومها للشاب المتمرد على الواقع اللاواقعي
و في جنح من الليل حينما خيم السكون على المكان و أسدل الليل ظلمائه الحالكة ارتدى بلال سرواله الرث و لبس قميصه الممزق و انتعل نعلين من “بلاستيك” و على ظهره حزم خنشة ” لعوين” تقدم بخطى واثقة باتجاه شقيقته التي لا تنتظر منه سوى إشارة لتلحق به
و لما شعرت ببلال أصدر الحنحنة علمت أن سفارة البدء قد انطلقت وقفت و الرجفة تسري في أوصالها و تقدمت بهدوء نحوه دون أن يشعر الأسياد
تماسكا الأيادي في خفة و هدوء يلامسهما خجل لا مثيل له حتى تأكدا أنهما قد ابتعدا عن مرتع صباهم التعس عندها لاذا بالفرار
آآآآه إنها الحرية قال بلال في قرارة نفسه
في ذلك العام كان الشاب البولاري افال عمر يملك حانوتا لبيع البطيخ في مدينة السلام و كان كل أسبوع يسافر في شاحنته لجلب البطيخ من مسقط رأسه قرية ” سوكام ” الواقع قرابة أربع مئة و خمسون كلم جنوب مدينة السلام
كان بلال و مسعودة في مجازفتهما تلك أذل من الفأر و أسرع من النعامة فكلما خيل إليهما أن كلابا شرسة تلهث ورائهما ازدادت سرعتهما
عند ساعات الفجر الأولى توقفا لأخذ قسطا من الراحة بعد أصابهم الإعياء و التعب
كانت أرجلهما تتقاطر دما أشواك انغرزت في أقدامهما دون أن يشعرا
نزع كل منهما عن الأخر الأشواك ثم شربا و تناولا قليلا من الشعير
نظر كل منهما إلى الأخر في سكون و ابتسم بألم لقد شعرا أنهما اقتربا من الهدف و لما لم تنتهي الفرحة التي لم تبدأ بعد حتى شعرا بهدير سيارة قادم نحوهم
قال بلال لشقيقته مسعودة أسرعي إنهم الأسياد يلاحقوننا هيا بنا لنختبئ تحت تلك الشجرة
نظر بلال من ركن عينه إلى السيارة القادمة و قال واه أسفا لقد فشلنا أعاد النظر ثانية بتمعن لما اقتربت الشاحنة فصاح عاليا
آآآه انه افال , انه افال صاحب البطيخ لقد سرى فرح عارم في جسده كله
نعم انه افال أنا متأكد انه افال عمر
_ و من هو افال عمر قالت مسعودة و هي في حرية من أمرها ؟
أجاب بلال افال عمر هو رجل قل مثيله كان في كل مرة حينما يمر علي في شاحنته هذه لابد و أن يعطيني واحدة أو اثنتان من البطيخ انه رجل كريم فعلا هيا بنا لنعترض طريقه
توقف افال برهة لقد كان من حسن حظهما أن افال عائد ذلك اليوم من سوكام باتجاه مدينة السلام
كان افال عمر مطلع على نصف من حقيقة بلال لما مر عليه ذات يوم و هو يعد الشاي شاي الرعاة تحت شجرة كعادته جلس افال معه و احتسى كاسين من الشاي و بين الأول و الثاني كان بلال قد حدث ضيفه عن المعاناة و قساوة الحياة و لعل افال عمر فهم هموم الشاب الأسود يومها حين لمح قائلا ما أقسى الإنسان مع أخاه الإنسان ما أحوج الإنسان و لو لقليل من الإنسانية
نزل افال عمر من شاحنته و المشهد يذكره بتلك العبارات المشفقة معانقا صديقه الكادح متأثرا من مشهده و شقيقته مسعودة و من خلال عيونهما و لقائهما الماضي قرأ افال كل شيء دون الحاجة إلى سؤال
دعاهما لصعود الشاحنة فورا و لو لا بمساعدته لما استطاعا الصعود إنهما بالكاد يكونا جسدين ميتين بقلبين شبه نابضين
في طريقهما قص بلال على افال كامل المعانات التي كانا يتعرضان لها طمأنهما افال بالقول ابشرا لقد نجوتم من القوم الظالمين ستصلون مدينة السلام آمنين إنشاء الله و ما أن أنهى كلامه حتى شاهد من مرآته الأمامية سيارتان تلاحقانه بسرعة فائقة فعرف مقصدهما
و بسرعة تفوق سرعة السيارات الفارهة تلك أمر أفال كلا من بلال و مسعودة أن يختبئا بسرعة خلف مقعده حيث مكان استراحته امتثلا لأوامره و أسدل الستار
و حتى لا يشعر الأسياد بشيء خفف من سرعته حتى التحقوا به و قد أشار عليه احدهم بالتوقف ففعل
كان جواب افال عمر في محله حينما سألوه ما إذا كان قد شاهد جارية و عبدا عبقين في طريقه
رد بالقول انه شاهدهما كانا قد اوقفانه قبل ساعة و انه امتنع أن يقلهما إذ كيف يفكرا بالفرار و انتم تحسنون إليهما أحسن إحسان
تأكد القوم من كلام الرجل فعادوا أدراجهم مواصلين البحث
رجع بلال و مسعودة إلى مكانهما و العرق يلمح فوق جبينيهما الشاحبين شكرا افال على جهوده تلك
لقد أخذ افال على عاتقه عهدا أن لا يفارق العبدين المطحونين حتى يستعيدا حريتهما كاملة
إنها الإنسانية الإنسانية التي يبحث عنها بلال انه العالم الذي يحلم به
على مشارف مدينة السلام طلب بلال من افال أن يوصلهم إلى اقرب مركز شرطة يراه مناسبا لكن افال امتنع لما عرف ما سيجري وراء الكواليس رد عليه انه في حالته فعل ذلك ستعيدهم الشرطة من حيث أتيا لذا قرر افال أن يستقبلهما في بيته طيلة الأيام الأولى من قدومهما
كان غرض افال عمر من هذه الفكرة أن ينبه الرأي العام و الهيئات المعنية بالأمر
و بالفعل تم ذلك ففي الأسبوع الأول قدمت إحدى المنظمات الحقوقية شكاية إلى المحكمة تتهم فيها أسرة أهل سيدي محمود بممارسة العبودية في حق بلال و مسعودة منذ ميلادهما منذ عشرون سنة و كان ما كان أن تمت المحاكمة و نال بلال و مسعودة أخيرا حريتهما دون شرط أو قيد إلا أن الأسياد لم يطبق فيهم القانون فسرعان ما أطلق سراحهم بواسطة رجل أعمال نافذ في الدولة ينتمي لقبيلتهما قبيلة “أولاد الظل”

بلال و مسعودة و المدينة الجديدة
في البداية تكفلت إحدى المنظمات بتوفير السكن لبلال و مسعودة إضافة إلى تمديدهما ببعض الحاجات الضرورية كالطعام و الدواء و الملبس و بعض المال
و سرعان ما تم دمج مسعودة في مركز نسوي مختص في فن الخياطة أما بلال فقد لجئ إلى مهمة الحمالة التي وجد أن غالبية ممتهنيها ينتمون إلى نفس الشريحة الكادحة التي ينتمي إليها
عمل في هذا المجال لمدة ثلاثة اشهر إلى أن حصل على مبلغ مالي لبأس به استطاع من خلاله اكتراء بيتا في حي شعبي من أحياء المدينة الهشة ثم اشترى له فراشا مستعملا و مخدتان و بعض المستلزمات المنزلية الضرورية الضرورية جدا
و بمساعدة من زميله في العمل محمود فقد استطاعا معا إيجاد وظيفتا حارس في إحدى المؤسسات التابعة للحكومة
كان محمود يمتلك سكنا غير شرعي في حي من أحياء الصفيح بالمدينة و قد أسس بيتين من الصفيح بعد أن استفاد من مؤخرا من بقعة أرضية على مشارف المدينة في إستراتيجية جديدة للقضاء على ظاهرة الإحياء العشوائية
تزوج محمود من مسعود ثم انتقلت إلى بيتها الجديد و سرعان ما لحق بهما بلا و بفضل خبرة مسعودة في فن الخياطة فقد استطاعت فتح محل تمتهن فيه تلك الحرفة و ذلك من خلال مساعدة مادية قدمها لها زوجها و شقيقها بلال
و تمضي الأيام و يتزوج بلال و تنجب مسعودة ابنا ( لو كان بنتا لكان اسمها ” الحرية ” دون شك) فتطلق عليه اسم افال عمر افال عمر الذي كان سندا قويا في اجتيازهما مغامرة التحرر تلك يكبر الولد فيتم إدخاله قسم السنة الأولى ابتدائه
يعود بلال ليتأمل قليلا بين استغلاله في الماضي و استقلاله في الحاضر فيجد أن لا شيء خير من هذا الأخير
اليوم الولد الصغير افال عمر يسائل بلال خالي ما الفرق بين الاستقلال و الاستغلال ؟
يرد بلال الاستقلال يا بني يعني الحرية أما الاستغلال تعني أن لا حق لك حتى في الأكسجين .

بلال و مسعودة و المدينة الجديدة
بقلم السالك ولد الناه