الطب: حمى الوادي المتصدع

مقدمة
قبل اكثر من (50) سنة اتذكر انه كان في المحلة التي كنت اعيش فيها طفلا في مدينة الحلة- محلة الجباوبين (زقاق ابو قاسم). كانت هناك خربة كبيرة مليئة بالاقواس والدهاليز يتجنب الدخول فيها والمرور بقربها الكبار والصغار وخصوصا في المساء والليل لاعتقادهم ان (الجن) يسكنها وليهم حول موضوع الجن قصصا كثيرة. والخربة تلك كانت عبارة عن عدد من البيوت الضخمة مع اصطبلات الخيل الملحقة فيها تعود لباشوات العثمانيين الذين كانوا يحكمون العراق… وقد اضنى الدهر هذه العوائل (كما اضنى على لبد). المهم الذي احاول ان اصوره هو ان هذه الخربة والبيوت (المتصدعة) البعيدة عن دخول الانسان كانت تعج بالكثير العديد من انواع المفصليات التي كانت تتميز بضخامة الحجم عن مثيلاتها من البيوت التي يسكنها الناس، وكأن بعدها عن الناس اعطاها المجال ان تنمو بحرية. وكانت هذه الحشرات (الجنفس) عندما تكبر تبرز مادة بيضاء نحيفة القوام تخرج وتفرز من بين شقوقها مما يلفت الانتباه الى ان هذه المواد كان ينفصل عنها انواع من الفيروسات… وهذا الوصف عندي ينطبق على الوادي المتصدع الذي منه خرجت اصابات واوبئة ((حمى الوادي المتصدع)).
تعريف المرض:
حمى تصيب الحيوان غالبا واحيانا تصيب الانسان وتسبب لكليهما اصابة مرضية حادة تؤدي الى معدل مرتفع من الاصابات والوفيات. وتؤدي الى فقدان اعداد كبيرة من الماشية لانها تنتشر على شكل وباء تدي الى خسائر اقتصادية كبيرة.
انتشار المرض- ولماذا التسمية؟!
سنة 1930 اصاب الوباء الاغنام في مزرعة في احد مناطق كينيا تعرف باسم ((الوادي المتصدع)) وبعد التحري والدراسة ثم عزل العامل المسبب وهو فايروس.
سنة 1997-1998 حدث وباء كبير في كينيا والصومال. وانتشر وباء قاسي من هذه الحمى في المنطقة الواقعة جنوب الصحراء الافريقية الكبرى.
وفي ايلول سنة 2000 لاول مرة خرج الواباء من افريقيا الى السعودية واليمن… وهناك خوف من ان ينتقل الى مناطق اخرى في اسيا.
العامل المسبب
هو فايروس من (الرواشح)
A member of the phlebovirus genus, one of the five generaw in the family B unya viridae.
الاصابات- الحاضن
يصيب الحيوانات اساسا والمستودع او الحاضن Resoriur هو الحيوان المريض.
الفايروس يصيب عدة انواع من الحيوانات فيصيبها بوباء شديد. وهي من الحيوانات الداجنة مثل البقر والضأن والابل والماعز. والغنم او العنان هو اكثر استعدادا للاصابة بهذه الحمى من البقر والماعز اقلها استعدادا للاصابة. واستعداد الحيوان للاصابة بهذا المرض يختلف تبعا لعمره.
فمعدل الهلاكات تقرب من 90% بين حملان الغنم
فمعدل الهلاكات لا يتعدى 10% بين الغنم البالغ
معدل الاجهاض بين النعاج المصابة يكون 100%
طرق الانتقال بين الحيوانات:
1- عن طريق البعوض الذي ينقل الفايروس. وتختلف الانواع الرئيسية الناقلة للفيروس باختلاف الاقاليم والاماكن والدول. ومن البعةض الكيولكس والايدس. ولكن اشدها خظورة هو انثى بعوض الايدس. ان تنقله مباشرة الى حيوان سليم بالتغذي على دمه. او ان هذه البعوضة تكون قادرة على نقل الفايروس الى بيوضها فعند تفقيسها تظهر جبال من بعوض الكيولكس مصابة بالفايروس فينقل المرض على شكل وباء. ان بيوض هذه البعوض تستطيع ان تقاوم ظروف الجفاف فتبقى عدة سنين فعند هطول المطر تفقس هذه البعوض عن يرقات وثم بعوض مصاب الفايروس الذي ينقله الى الحيوانات.
2- وهناك احتمال ان ينقل الفايروس حشرات اخرى ماصة للدم. حيث يقوم البعوض والحشرات الماصة للدم بالتغذي على دم الحيوان المصاب ويقوم بنقله الى الحيوان السليم.
3- الاصابة بالانسان:
عن حدوث وباء بحمى الوادي المتصدع قد يتعرض الانسان الى الاصابة بها المرض عن طريق:
‌أ- لسعة البعوض الحامل للفايروس.
‌ب- عن طريق التماس مع دم الحيوانات المصابة وسوائل اجسامها… وقد يحدث هذا التماس عند رعي ورعاية هذه الحيوانات او عند ذبحها
‌ج- عند شرب حليب هذه الحيوانات المصابة دون غليه.
‌د- او ينتقل الفايروس الى جسم الانسان عن طريق الدخول مباشرة… اذا كان الجلد مشقوقا، او عن طريق جرح لسكين ملون.
‌ه- او عن طريق استنشاق الفايروس على شكل رذاذ او بالتراب المتطاير وبهه لطريقة يؤدي الى اصابة العاملين في المختبرات او في معمل تحضير اللقاحات ضد هذا المرض.

الاعراض السريرية
دور الحضانة (الفترة المحصورة بين بدء العدوى الى ظهور اعراض المرض) تتراوح من (2-6) ايام.
الاعراض: تستمر الاعراض من (4-7) ايام
1- اعراض تشبه الانفلونزا.
2- ثم تبدأ الحمى فجأة.
3- مع صداع.
4- والم عضلي.
5- الم في الظهر.
6- بعض المرضى يصابون بتيبس في الرقبة.
7- الخوف والانزعاج من الضوء.
8- القيء.
وهذه الاعراض هذه يمكن سحبها على معظم اصابات حمى النزف لفايروسي (VHF) في هذه الاعراض من المراحل الاولى للمرض يشتبه بالاصابة بالتهاب السحايا.
المضاعفات –او المتلازمات- او الاعراض الجانبية:
نسبة صغيرة من المرضى تصاب بمضاعفات او اعراض جانبية اشد خطورة مثل:
1- قد ترافق الحمى نزف دموي على شكل حمى نزفية في اقل من 1% من الحالات. حيث تظهر على المريض بعد (2-4) يوم اعراض مرض كبدي خطر مصحوب باليرقان وبعض الظواهر النزفية مثل:
تقيؤ الدم… نزول الدم مع البراز… الاصابة بطفح جلدي ضغط نتيجة النزف تحت الجلد… ونزف اللثة…
وهنا قد يظل الفايروس يسري في مجرى دم المصابين لمدة قد تصل الى (10) ايام.
2- قد يظهر مرض بالعين على شكل اصابات في الشبكية فانها تسبب نسبة معينة من فقد البعد.
3- قد يظهر مرض عصبي حاد مثل التهاب الدماغ والسحايا في اقل من 1% من الحالات.
والحالات من الفقرة (2،3) تبدأ بالظهور عادة بعد (1-3) اسابيع من بدء ظهور الاعراض الاولى.
ان معظم الوفيات بالانسان التي تحدث في حمى الوادي المتصدع تكون نتيجة للاصابة بهذه المضاعفات. وان معدل الوفيات بالحمى النزفية قد يصل الى 50%.
ومن النادر حدوث الوفيات نتيجة الاصابة بالعين والتهاب الدماغ والسحايا… وعلى العموم فن معدل الوفيات في كل من الاصابات يقل من 1%.
التشخيص:
1- الفحوص السيرولوجية: عن طريق الاختبارات المصلية للدم enzymelinhed //////////////// (the “Elisa” or “EIA” methods)
قياس المناعة الكرتبطة بالانزيم (Elisa) او
قياس المناعة الانزيمية (EIA)
حيث قد تظهر وجود نوع خاص من الاجسام المضادة Antibodies (Specific/gM antibodies) الكوبولين M.
2- عن طريق اكتشاف الفايروس نفسه في الدم- او في الانسجة- باستخدام طرق مختلفة مثل:
‌أ- زرع الفايروس.
‌ب- كشف المستضدات Antigens
‌ج- PCR تفاعل البوليميراز السلسلي وهي طريقة جزيئية لكشف جينوم الفايروس او مجموعة جيناته.
3- الفحص النووي لتحديد جينات الفايروس.
الاشخاص المعرضون للاصابة:
عن طريق الدم الملوث والانسجة الملوثة والرذاذ والتماس عم:
1- الرعاة الذين يقدمون الرعاية للحيوانات ويحلبونها.
2- الذين يشربون حليبها دون غليها.
3- الذين يأكلون لحومها ويتداولونها بايديهم.
4- الذين يتعاملون بجلودها.
5- الجزارون وعلى الاخص اذا كانوا مصابين بجروح.
6- الذين يعيشون مع الحيوانات في الزرائب.
7- العاملون في الرعاية الصحية كالاطباء والممرضات والممرضين الذين يقومون بفحص ومعالجة ورعاية المرض في المستشفى.
8- الذين يعملون بالفحص المختبري.
9- الذين يعملون في معامل تحضير اللقاحات.
10- الناس الذين يعيشون في بيوتهم اذا كانت في اطراف المدينة حيث تتواجد الاغنام ويتم تنقلها ورعايتها في الطرقات والشوارع.
الوقاية: اولا: عن طريق التطعيم:
1- عن طريق التطعيم للحيوانات:
ويتم استعمال التطعيم عن طريق برنامج مستمر لتطعيم الحيوانات:
أ‌- لقاح من الفيروسات الحية المنهكة: جرعة واحدة تعطي مناعة طويلة الامد… ولكنه قد يؤدي الى اجهاض الحيوانات الحوامل.
ب‌- لقاح من الفيروسات الميتة: لا يحدث اجهاضات ولكن يجب اعطاءه بعدة جرعات لتحقيق المناعة المحصنة.
تطعيم او تلقيح البشر:
ثم اعداد لقاح من الفيروسات المعطلة للاستعمال البشري. ولكن لم يتم الترخيص به لحد الان… وقد استعمل تجريبيا لحماية العاملين بالطب البيطري والمختبرات و العاملين في معامل اللقاحات.
ثانيا: وقاية وحماية الملامسين والعاملين:
1- ارتداء قفازات والبسة واقية عند تداول اللحوم والاحشاء.
2- اتخاذ الحيطة عند التعامل مع الحيوانات المريضة وانسجتها.
3- الحيطة عند اخذ عينات الدم من المشتبه بهم والمرضى للمختبر.
4- اتباع طرق العزل المعتادة للمرضى والملامسين المشتبه بهم.
ثالثا: المكافحة ضد البعوض الناقل:
1- اتباع طرق الحماية الشخصية: عدم تعريض اجزاء الجسم للبعوض واستخدام الناموسيات.
2- استعمال مواد طاردة للحشرات.
3- استعمال مبيدات حشرية ضد البعوضة البالغة.
4- استعمال مبيدات حشرية ضد يرقات البعوض.
5- عدم ترك المياه تتجمع في الحدائق وفي اصص النباتات.
6- الفضاء على اماكن توالد البعوض.
المعالجة للمرضى:
اظهرت التجارب ان عقار (الريبافيرين) المضاد للفيروسات يعمل على تثبيط وتعطيل نمو الفيروسات ولكنه لم يتم تقييمه سريريا.
لان معظم حالات حمى الوادي المتصدع البشرية خفيفة وقصيرة المدة، فهي لا تتطلب نوعا معينا من المعالجة. ولكن المعالجة الاساسية تتم في معالجة المضاعفات والمتلازمات والاعراض الجانبية.

 

هادي ناصر سعيد الباقر