الأستاذ / المختار نافع
في هذا الإطار يفهم تعالي الحديث الذي يسلط الضوء على الظلم الثقافي والمادي الذي تعانيه شريحة لمعلمين جراء الموقع الذي “جادت” لها به التراتبية الطبقية التي يقوم عليها نظامنا الاجتماعي، والتي يجزم بعض الباحثين بأنها تصنف ضمن نظام “الطبقات المغلقة” أشد أنواع الطبقية ظلما وانغلاقا.
ولهذا فإنه من الطبيعي أن يثير مثل هذا الحديث –ككل دعوة أو قضية- رد فعل من سدنة الطبقية، تشكيكا أو تلبيسا، وقد كان!! ولأن التشكيك غير مجد عادة وتأثيره قصير الأمد فإن التلبيس، المتصف بقوة التأثير وطول مدة المفعولية، هو الذي يستحق التوقف عنده، وذلك ما جاءت هذه المقالة لتفعله.
البيظان: الهوية الطاردة المطاردة
وأهم ما يستوقفنا في موضوع الهوية الثقافية عند “لمعلمين” هو الحالة الغريبة للهوية البيظانية التي يراد للمعلمين وشرائح أخرى الانطواء تحتها رغبوا أم رفضوا.
فهذه الهوية لا تقبل للمعلمين وغيرهم من شرائح الأتباع في النظام الطبقي القديم أن يكونوا جزء كاملا منها أي بيظانا 100% ولكنها لا تقبل لهم أيضا الانفصال عنها وتكوين هوية خاصة بهم، فأنت حين تخاطب الإنسان العادي واصفا “معلما” او حرطانيا أو “لحميا” أو باختصار غير الزاوي والعربي، بأنه بيظانيا فلن يقبل منك ذلك، ولكن عندما يصف أحد هؤلاء نفسه بأنه غير بيظاني، وخاصة في معرض التميز، فإنه يواجه بتلك المقولة الجاهزة دأبا: “هذا كامل الَّا البيظان” وقد يكون للأمر جانب من الصحة ولكنهم بيظان من درجات: فهناك “بيظان الدرجة الأولى” وبيظان الدرجة الثانية والثالثة والرابعة وربما العاشرة.
إن هوية البيظان تمتاز بأنها “طاردة” لكل من يريد الدخول فيها من طبقات الأتباع، و”مطاردة” لكل من يريد منهم الخروج منها، في تناقض غريب لا يشبهه إلا حرص بعض الدول على إخضاع “أراضي” الأقاليم الانفصالية سعيا وراء مواردها، وإهمال “شعوب” هذه الأقاليم احتقارا لها.
أشرار.. “ولو طارت”
و”أبدع” ما في هذا المثل، الذي يعد من “الأساطير المؤسسة” في التصوير النمطي للمعلمين هو تركيزه على الفضيلة التي اشتهر بها هؤلاء: أي التميز الثقافي والعلمي، فإذا لم يكن “لمعلمين” أخيارا بالعلم، وهم المبرزون في الذكاء باعتراف الجميع، فلن يكونوا أخيارا أبدا.
وكخلاصة: لقد اخترت في هذه العجالة التركيز على بُعد قضية لمعلمين الثقافي، وشرح جانبها الحقوقي المعنوي؛ سواء منه حق هذه الفئة في الاعتبار المعنوي والاعتراف بهويتها الثقافية المتميزة ومكانتها التاريخية، أو محاربة الجريمة الثقافية المرتبكة في حقها بتقديمها في صورة نمطية قاتمة.
ومن المعلوم أن ضمان الحقوق الثقافية ومحاربة الجرائم المعنوية ركنان ركينان في تحقيق الإنصاف والعدل بين الناس يكفلهما الشرع القويم والطبع السليم وتقوم عليهما مبادئ حقوق الإنسان التي تعارفت عليها البشرية.
على أن تركيزنا على البعد الثقافي لا يعني موافقة للطرح الذي يقول إن مظلمة هذه الفئة مقتصرة على الظلم المعنوي وليست لها مظاهر مادية مثل التهميش والإقصاء…إلخ، وإنما هو حديث يركز على أصل المسألة ولا ينفي ما تفرع عنه.