يجزم أغلب المتتبعين للوضع الموريتاني أن موريتانيا باتت على بعد خطوات من ثورة ستطيح بنظام الجنرال محمد ولد عبد العزيز، والوقائع المتتالية تثبت ذالك فالضغط الشعبي بدأ يأخذ مسارا جديدا يتميز بلغة التصعيد والتحدي، ولا أدل على ذالك من التحركات المتسارعة للمعارضة والشباب والطلاب وسكان مدن الداخل وأصحاب المظالم وغيرهم من الساخطين على منظومة الفساد القائمة.
لكن ما الذي يضمن أن موريتانيا لن تنجر إلى صراعات بين النخب السياسية، التي تستعد للمشاركة في عملية التغيير، بعد الثورة؟ وما الذي يضمن أن الثورة ستحقق للمجتمع الموريتاني ما يصبو إليه؟
إن إجابة القوى الحية التي تسعى إلى إحداث التغيير على هذه الأسئلة إجابة علمية مدروسة، ورسمها لخارطة طريق واضحة للرقي بالوطن ونقله إلى بر الأمان بعد إزاحة نظام الفساد، سيكون لا محالة عاملا في تسريع عملية التغيير المرتقبة، وضمانا لتحقيق أهدافها على النحو الذي يريده الشعب الموريتاني بمختلف توجهاته وفئاته.. كما أن تجاهلها في هذه المرحلة الحساسة ستكون له انعكاسات سلبية تأخر الثورة وتجر البلاد بعدها إلى خلافات وصراعات لن يكون الخروج منها سهلا..
يجب أن تحظى أي إستراتيجية أو خطة للتغيير بالتوافق بين كافة الفاعلين الثوريين، وأن تكون واضحة الأهداف والمقاصد، متلائمة مع البيئة الداخلية للمجتمع الموريتاني وقابلة للصمود في وجه التحديات، كما يجب أن تتضمن رؤية واضحة لكيفية التعامل مع المؤسسة العسكرية بطريقة تضمن حيادها أثناء الثورة وعدم تدخلها في الشأن العام بعدها. ومن دون ذالك سندخل مرحلة من التخبط قبل وبعد الثورة، ستؤثر على الانسجام الداخلي بين القوى الثورية وتجعلها عرضة لعواصف قد تكون لها عواقب وخيمة.
إن التحضير لمعارك الحسم ضد نظام الفساد يجب أن لا يجعلنا ننسى الهدف الأول والأخير من الثورة المرتقبة. فإزاحة نظام الفساد ليست غاية بحد ذاتها، بقدر ما هي وسيلة للنهوض بالمجتمع الموريتاني نحو دولة العدالة والديمقراطية التي تُؤمن لشعبها الرفاه والازدهار في كنف عدالة اجتماعية يتساوى فيها الجميع بعيدا عن السياسات التمييزية، ومن دون تحقيق ذالك ينبغي أن نعتبر أن انقلابا جديد “نظمه هذه المرة مدنيون” قد حدث على إرادة الشعب!!
وحتى نكون صريحين ونضع النقاط على الحروف، لن تكون المماطلات من قبل من سيشرفون على تسيير المرحلة الموالية للثورة مقبولة، ولن يكون الحديث عن المشاكل السياسية والأمنية مقنعا للشعب –الذي سيكون حينها ثائرا-، ولن يكون التحجج بمتطلبات المرحلة مجديا في كبح جماح ثورة ثانية تصحح مسار الثورة الأولى.
إن أي مرحلة انتقالية، تتلو الثورة، يجب أن تكون محددة الفترة الزمنية مرسومة الأهداف والخطوات الساعية لتحقيق تلك الأهداف، حتى لا تستغل من طرف أي كان لتمرير أجندته الخاصة.
من أجل تحقيق كل ذالك وإنجاح عملية التغيير لا بد للقوى الحية في البلد أن تتجاوز خلافاتها وتتناسى صراعاتها في هذه المرحلة الحساسة وفي المراحل التي ستتلوها حتى تستطيع أن تنتقل بالبلد إلى بر الأمان، حينها ستكون آلية إدارة الخلافات قد وجدت تحت سقف الديمقراطية وفي ظل حكم الشعب، ويكون الدستور والقانون –في كنف دولة المؤسسات- هو السبيل إلى حل الصراعات.