فوضى في “أمن الطرق”| ‫#موريتانيا أخبار

ذات يوم كنت أقود سيارتي معاكسا لاتجاه السير المسموح به خطأ في شارع قريب من القصر الرئاسي فاستوقفني عنصران من شرطة أمن الطرق المعروفين شعبيا بـ”اصنادرة مس& #1602;ارُ” كانا مختبئين تحت شجرات بجانب الطريق واتهماني بتعمد المخالفة ثم ألزماني بدفع ضريبة رمزية وصادرا رخصة سياقتي و أحالاني إلى إدارتهما المركزية بعرفات.

لا أخفي أن صرامة الوكيل الذي استوقفني ـ واسمه الفراح ولد ابراهيم ـ أثارت في نفسي من الإعجاب أكثر مما أثارت من الانزعاج رغم النقاش الذي دار بيننا واعترفت فيه بمخالفتي ا 04;مرورية غير المقصودة ،كما نبهت الوكيل وصاحبَه إلى تقصيرهما في منع المخالفات قبل وقوعها وانتقدت عقليةَ نصب الفخاخ والكمائن التي يتعاملان بها باختبائهما بعيدا عن الط 1585;يق وهو ما أثار حفيظة الرجل ودفعه إلى حالة من الصلف والغضب وصلت حد ادّعائه أنه وزملاءَه لا يخطئون ، وإن أخطؤوا فهم فوق تقويم مدنيّ مثلي.

قادتني تلك اللحظة بعد خمسة أيام إلى الخزينة العامة لدفع الضريبة ثم إلى الإدارة العامة لشرطة أمن الطرق لاستعادة رخصتي المصادرة ، وهنا كانت المفاجأة والصدمة!!
عند المدخل ضُربت خيمة يتكدس تحتها عناصر من “أمن الطرق” بثياب غير نظيفة في أغلبها ، لا يؤدون في ما يبدو عملا محددا سوى تبادل النكات والمُتّكآت وتراشف الكؤوس والتنابز بالأ ;لقاب أحيانا.

أوحى إلي المشهد أن المؤسسة ربما تعيش بطالة مقنّعة وأنها تكتتب من الأفراد أكثر من حاجتها الحقيقية ، أو أنها لا تحظى بإدارة ناجعة لمواردها البشرية قادرة على خلق مهام وم 7;ؤوليات لجميع منتسبيها ، خصوصا أن مهمتها المعلنة هي “تأمين” طرق البلد عموما والعاصمة نواكشوط خصوصا التي يناهز قاطنوها الم 604;يون نسمة!
هناك ما هو أدهى وأمرّ من “فراغ الشغل” هذا يكتشفه كل من يتوغل داخل المجمّع باتجاه مبنى استلام الرخص والوثائق المصادرة ؛ فهناك لن تقع عينك على موظف ذي كفاءة وتجربة يُنيلك و 10;تناول منك ولا على جهاز كومبيوتر واحد أو رفّ تنضيد أو صندوق إرشيف!

ستدخل مبنى فسيح الأرجاء رفيع السقف يعرف شعبيا بـ”العنكر” يجلس في قلبه عسكري منهك على طاولة دكناء من حديد وكرسي من خشب تحيط به أظرفة صفراء ملقاة على أرض مغبرّة وبين يديه س& #1580;لات مكتوبة بخط اليد كثيرة المحو والسهو.

أما وثائق المواطنين والمقيمين التي يركب “اصنادرة مسقارُ” أعلى مراكب الصرامة والجدّ في سحبها من أصحابها المخالفين – وهو جدّ محمود – فإنها لا تلقى إلا الإهمال والتضييع   1;ي ذلك “العنكر” الشبيه بمكبّ القمامة بعدما ضُمن دخول أموال ضرائبها إلى خزينة الدولة من جيوب المواطنين.

هناك يسألونك من غير ذكاء : هل تعرف رخصتك إن رأيتها ، وتجيبهم في اندهاش : بالطبع أعرفها ، ثم يطلقون يدك وأيدي غيرك في عشرات الأظرفة المبعثرة ومئات الرخص المكبوبة على الأرض تبحث بنفسك عن رخصتك ، تنتقل من ظرف سيئ إلى ظرف أسوأ ومن ركن إلى ركن ، ثم تعود تنفض يدك من غبار الأرض الذي امتلأت منه رئتك دون جدوى!
تعود إلى نفس العسكري المرتبك فتعود وإياه إلى نفس الأسئلة والأجوبة : هل تعرف رخصتك ؟ نعم ، متى أخذت منك ؟ يوم كذا ، هل فتشت هذا الظرف ؟ نعم ، وهل فتشت ذلك الآخر ؟ نعم ، إذاً انت 92;رني قليلا ، ثم يلتفت إلى مواطن آخر حاله كحالك وظرفه كظرفك!
بعدما عشت هذه التجربة وشاهدت الكثيرين يكتوون مثلي بنارها انهارت في ذهني صورة كوّنتها عن هذه المؤسسة التي ظهر أنها لا تختلف عن أخواتها في هذه الدولة في شيء ؛ فوضى وارتبا ك في الأداء ، واحتقار للمواطن والقانون في المعاملة ، وتسيير للموارد المالية والبشرية بعيدا عن ضوابط الإنفاق النزيه وقواعد علم الإدارة ، فهل يغيّر القائمون على هذه ال 1605;ؤسسة من حالها وأسلوب رجالها أم أن الانتساب إلى “غزّية” سيبقى مصدرا لراحة البال في إشقاء المواطنين؟

المصدر